السبت، 24 يونيو 2017

عملتني الحياة (20) -  أصعب درس


علمتني الحياة أن لا أوثق إلا من ثبتت ثقته يقيناً و رأيته بعيني رأسي يجتاز امتحانات التجارب !!!

ليس معنى هذا أن الناس في نظري مجروحين حتى تثبت ثقتهم ... بل كل الناس عندي أهل للاحترام و التقدير و الحب و الود الكامل بلا أدنى تردد عندي في بذل المعروف لهم ... و لكن إذا حانت لحظة الحاجة إلى استحضار الثقة ... فلن أوثق إلا الثقة!

فكم سمعت أشخاصاً يتحدثون عن القيم و المبادئ و المعاني السامية ... ثم لما لاحت مصلحة رأيتهم بأم عيني و هم يدوسون كل شيء و يهرسونه هرساً في أول خطوة من خطوات هرولتهم وراء مصالحهم ...

و كم شخص أنيق الهندام .. معسول اللسان .. منظوم الكلام ... سمعته يتحدث بطلاقة و بلاغة و استرسال عن معاني الكرامة الإنسانية و روعة الحرية ووجوب الاحتكام إلى الديموقراطية ... و إذ فجأة رأيته هو نفسه يخلع القناع و يكشر الأنياب ... ثم يشرح بنفس الطلاقة مبررات الرضا بالديكتاتورية ... و يفصل بنفس البلاغة الظروف التي تستدعي سحق الكرامة و طمس الهوية ... و يسترسل كثيراً بإسهاب و إطناب في تبيان الأضرار المحتملة للحرية. و آخر أنيق مثله إلا أنه لم يتحدث بالشر و لكنه صمت عن الصواب و سكت كأنه أخرس بلا لسان أو كأنه من سكان كوكب المريخ بعد أن كان في أيام الراحة لا يجف له حلق و فتاويه الجاهزة و تعليقاته المطولة لا تفوتها مسألة.

و كم شخص لما سمعت كلامه عن الشجاعة و الإقدام و استعداده التام لإحباط الإحباط ظننت أنه شجاع و مقدام و أنه سيحبط الإحباط فعلاً... فلما حان وقت المواجهة اختفى كأنه نقطة ماء تبخرت في ساعة ضحى ... أو تحول إلى الأب الروحي للعقلانية و الواقعية، أو المجتهد المتفرغ في تفصيل و تفصيص فقه الاحتياط، أو أفلاطون الزمان في شرح دواعي الهدوء و ضرورة التروي و وجوب الأناة و الاتزان ...

و كم شخص أبهرني بعلمه الغزير... و أسرني باطلاعه الواسع ... حتى ظننت أنه هو عنوان التغيير و بوابة الأمل! ... ثم لما دارت الأيام رأته عيناي و سمعته أذناي و هو يشرح بأسلوب علمي رصين الأسباب العلمية التي تجعل انتهاك حقوقي ضرورة تاريخية و ظاهرة فيزيائية حتمية و نتيجة طبيعية لكل التفاعلات الكيميائية التي جرت و تجري و سوف تجري على ظهر الكرة الأرضية!
و كم شخص أقنعني انه زاهد ... و حلف أمامي كثيراً حتى صدقت أنه صادق ... و سمعته مراراً ينتقد الفساد و يلعن الإفساد و يسب المتلاعبين بمصائر البشر و يشرح صفات الصلاح و نظريات الإصلاح ... فلما مكنه الله من مصير خمس أشخاص فقط انقلب فجأة إلى أجشع و أطمع و أكذب و أفسد و أطغى من راته عيني ...

و كم و كم و كم ... هذا أصعب درس علمتني إياه الحياة!

الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

علمتني الحياة 19: بين التحفيز و التخطيط

علمتني الحياة ان ما يصلح للتحفيز و رفع الهمم ... لا يصلح بالضرورة للتخطيط ووضع البرامج ...
فلئن كانت المناداة بمعاني التضحية و الفداء و الشجاعة و الثقة بانتصار الحق تصلح لتحفيز الذات و الآخرين و رفع الهمم و الإعانة على الصبر و الثبات... فإنها لا تصلح بتاتاً أن تكون مرتكزاً للتخطيط أو صياغة البرامج التنفيذية أو اتخاذ القرار ...
لا يصح إطلاقاً أن تكون خطة الانتصار -مثلاً- مبنيةً على فرضية أن الصواب سيسود و أن الحق سينتصر في النهاية دون أن يتوفر من المعطيات المادية الملموسة ما يرجح احتمالات النصر في المعركة التي يجري التخطيط لها ...
علمتني الحياة أن الشجاعة لا يصلح أبداً أن تكون هي الدافع و المعتمد لخوض المعارك ابتداءً، و أنها لا تعدو أن تكون عاملاً مساعداً على الثبات و التفوق النفسي على الخصم حال احتدام المعركة .... أما قرار خوض المعركة من عدمه فإنما تحكمه -قبل أي شيء آخر- الحسابات المنطقية و المعادلات الواقعية و ما يقوله علم الاحتمالات في شأن النصر من عدمه ...
قال أحدهم لمعاوية بن أبي سفيان زمن خلافته: لقد أعياني يا أمير المؤمنين أن أعرف أشجاعٌ أنت أم جبان؟ فأجابه: شجاعٌ إذا ما أمكنتني فرصةٌ، و إن لم تكن لي فرصةٌ فجبانُ!
الرأي قبل شجاعة الشجعان ::: هو أولٌ و هي المحل الثاني
قإن هما اجتمعا لنفسٍ حـرةٍ ::: نالت من العليــاء كل مكــانِ
و موازين الإيمان القرآنية اتفقت تماماً مع هذا المعنى ... فكانت معادلة الانتصار في أحد أهم محاورها عددية بحتة "الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين" ... و ليس أكثر من ذلك ...
و "سيف الله المسلول" فاز بلقبه يوم أن نجح في الانسحاب ... و ليس لأنه انتصر ...
علمتني الحياة أن القدرة على التفريق بين وسائل و معاني التحفيز و أدوات و معطيات التخطيط هي أحد أهم متطلبات الخروج من أحلام النجاح الوهمية إلى حقائق النتائج الواقعية ... بحلوها و مرها ...

السبت، 7 فبراير 2015

علمتني الحياة 18: التأييد ثمرة الاقتناع

علمتني الحياة أن لا أقتنع إلا بما هو مقنع ... و أن لا أتظاهر بالاقتناع إلا إذا كنت مقتنعاً حقاًّ ... و أن أبني قناعتي على ما يجتمع عندي من معطيات واضحة لا على ما أفترض أن الآخرين يمتلكونه من معطيات!!

تكرر معي أكثر من مرة أن أتحمس لمواقف، أو أن أؤيد قرارات يتخذها الآخرون، بل ربما أتصدر متطوعاً للدفاع عنها و سوق المبررات لها، دون أن تتشكل عندي القناعة الكاملة بصوابية الموقف أو القرار ... و كنت حينها أتنازل عن حق عقلي في الاقتناع و أنا أقول: "بالتأكيد لديهم معطيات لا أعرفها" .... ثم تكشف لي الأيام في كثير من تلك الحالات أن المواقف و القرارات كانت ارتجالية، أو أن المعطيات التي استند إليها أصحابي كانت خاطئة، أو أنهم أساؤوا قراءتها و تقديرها ...

و قد لدغت من هذا الجحر مرات عديدة قبل أن تصلني الموعظة ...
و ليس هذا من قبيل التكبر أو فقدان الثقة بالآخرين ... بل هو وضع للأمور في نصابها ... و نصابها هو أن يكون التأييد من ثمار الاقتناع و ليس من ثمار المجاملة أو الثقة ...

أتفهم أن الظروف قد تفرض على الآخرين أن لا يخبروني بما لديهم من معطيات و حسابات ... و لا أطالب أحداً بإطلاعي على ما لا ينبغي لي الإطلاع عليه ... و لكني لم أعد أؤيد إلا بقدر ما أقتنع ... و لم يعد يقنعني إلا ما هو مقنع!

الأحد، 1 فبراير 2015

علمتني الحياة 17: الموضوعية

علمتني الحياة أن لا أتعامل مع الأشخاص و الهيئات الاعتبارية في دوائر الحياة العامة بمنطق الحب و الكره أو التأييد المطلق و المعارضة المطلقة ...

سواءً كانوا زملاء عمل، أو مدراء، أو نشطاء في العمل العام، أو شخصيات ذات مكانة مجتمعية، أو قادة سياسيين، أو مفكرين، أو أصحاب رأي، أو جمعيات، أو أحزاب، أو منظمات، أو حكومات، أو دول ...

لم تعد علاقات الحب و الكره تربطني بالكيانات الاعتبارية أياً كانت ... و إنما مشاعري كلها موضوعية و تتجه نحو الموضوع و الموضوع فقط ... 

قد تجدني في ساعة واحدة أمدح فعل ثم أذم آخر مع أن كلاهما صدرا عن نفس الجهة ...

و لا يعني هذا أنني أعيش علاقات جافة خالية من الأبعاد الإنسانية ... و إنما يعني أنني أحاول أن أعرف الحدود الفاصلة و أن ألزمها ما استطعت ...

و لست هنا بالمبتدع ... فأفضل الخلق -صلى الله عليه و سلم- أقر بصدق الشيطان مرةً رغم أنه كذوبُ و "عدوٌ مبين" ... و مدح حلف الفضول مع أن المتحالفين فيه مشركين ... و تعهد بقطع يد ابنته إن سرقت، و أمر بجلد حسان، و إقامة الحد على ماعز، و عاتب أبا بكر، و صارح أبا ذر بضعفه ... مع أن جميعهم من أصحابه ...

بل هو منهجٌ قرآنيٌ أصيل ... و يكفي أن نعلم أن النبي -صلى الله عليه و سلم- عوتب في القرآن في 13 موضعاً نتعبد الله بتلاوتها: "ما كان لنبي" و أخواتها ...

و لا يعني هذا أنني متجرد من معاني الانتماء لمكان عملي أو وطني أو المؤسسة التي أتطوع بها ... و لكن معنى الانتماء عندي يشتمل اشتراط مراقبة الفعل ... و لا أقصد هنا مراقبة إشرافية أو متعالية .. و إنما مراقبة مشفقة تلتمس أسباب الصواب و العدل و ترجو اجتناب الزلل و الظلم تبدأ من حدود نفسي و تمتد إلى كل دائرة تدور حولي .. (ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ...)

الخلاصة هي أنني لا أحب "أحد" ... كما أنني لا أكره "أحد" ... و لا أؤيد "أحد" ... كما أنني لا أعارض "أحد" .... المعادلة بيني و بين الناس فيها متغير واحد فقط يحدد الإجابة: "الموضوع" ...

الجمعة، 2 يناير 2015

مهدي منتظر!


سمعت الكلام عن المهدي المنتظهر أول مرة عندما كنت طفلاً صغيراً ... ربما كنت في العاشرة من عمري حينها أو اصغر من ذلك.
و كنت أحلم و أتمنى أن أكون أنا المهدي المنتظر الذي يصلح الله به أحوال الناس بعد ضعف و غفلة و يملأ به الأرض قسطاً و عدلاً بعد أن ملئت جوراً و ظلما ... إلا أن الخبر يقول أن اسمه محمد و أن اسم والده عبد الله ما جعلني أيأس أن أكون أنا المهدي المنتظر ...

ثم دار بي الزمان ... و رأيت في حياتي أصنافاً من الناس ...

منهم من هو قاعدٌ "ينتظر" المهدي "المنتظر" و هو واثقٌ كل الثقة أنه قادم لا محالة و أن الفتح و النصر لن يكون إلا على يديه، و يجعل الإيمان به و انتظاره من موضوعات العقيدة ...

و منهم من يشكك في خبر المهدي المنتظر و يراه خرافة و جعل أكبر همه إنكار هذه القصة و لمز و تقريع من يؤمن بها (مستنداً إلى أن ما ورد في خبره يتراوح في معظمه بين الصحيح غير الصريح و الصريح غير الصحيح) ...

و بين هذين الصنفين طيف من الناس ...

إلا أنني قررت أن أغادر هذا الجدل كله بالخروج من ضيق المصطلح إلى سعة اللفظ ... حتى توصلت إلى أنني أنا شخصياً "مهدي منتظر" و يجب علي أن أبدأ مع دخول هذا العام الجديد بممارسة المهام المهدوية الموكلة إلي!

فقد "هداني" الله عز و جل (كما هدى كل واحد فينا) إلى علوم و معارف و مهارات و تجارب في الحياة و صور من الخير "تنتظرها" الأمة و تحتاج إليها ...

فأنا "مهدي" من قبل الله عز و جل إلى أكثر من شيء "منتظر" من قبل الأمة ... فأكون بذلك "مهدي منتظر"

و لست أنا وحدي مهدي منتظر ... بل أنت أيضاً "مهدي منتظر" ... و كل واحد منا "مهدي منتظر" ... كل واحد منا عنده شيء من صور الهداية يتنظره منه أهله و جيرانه و أهل مدينته ووطنه و الإنسانية جمعاء ...

و بمناسبة هذا الإعلان و بمناسبة العام الجديد ... أطلق مبادرة رمزية (غير حقيقية) لتشكيل مجموعة: "‫#‏المهديون_المنتظرون‬" و أدعوا أفرادها -متفرقين و مجتمعين- إلى أن يبدأوا بممارسة الأعمال المهدوية الآن و فوراً و بدون تأخير حتى لا نترك الأمة "تنتظر" كثيراً ...

ظاهرة "التجديد الديني" و حماسة الشباب ...


بدأت ألاحظ مؤخراً ظهور متكرر لأأفكار و نقاشات و سجالات بين العديد من الشباب حول قضايا تلامس جوانب حساسة في الدين الإسلامي ... كحجية الحديث، و كيفية التعامل مع الصحاح كصحيح البخاري و غيره، و عدالة الصحابة، و فرضية الحجاب، و حرمة الخمر، و أحداث نهاية الزمان و غيرها من القضايا.

و الذي لفت انتباهي هو ظهور ما يمكن اعتباره مدرسة جديدة تعلن أن هدفها هو "التجديد الديني" من خلال تحدي الموروثات الفقهية و العقدية و الفكرية، و الخروج من القوالب الفكرية و المذهبية، و التحلل من الكثير من الضوابط و القواعد، و إعلاء قيمة العقل في الحكم على كل شيء، و استخدام الأساليب العلمية الحديثة في مقاربة الموضوعات الدينية و الاعتقادية ... إلخ.

ليس عندي اعتراض مبدئي على فكرة التجديد في كل المجالات ...بل أراه واجباً و ضرورة ... و ليس عندي اعتراض على وضع كل ما هو موروث من اجتهادات البشر محل الاختبار و الفحص و إعادة الفحص مرة تلو مرة ... فالدين الإسلامي فتح الباب واسعاً أمام الاجتهاد بل حث عليه ... بل جعله من أبواب الأجر حتى و إن أخطأ المجتهد في اجتهاده ..

و لكن عندي مشكلة مع طريقة التطبيق التي يمارسها أفراد هذه المدرسة الشبابية الجديدة:

أولاً: لفت انتباهي أن أفراد هذه المدرسة يطرحون في الغالب نفس الموضوعات و يكررون نفس الحجج و يطرحون نفس المنطق و يصلون إلى نفس الاستنتاجات ... بما يؤيد ما ذهبت إليه من أنها تشبه مدرسة جديدة تتبني آراء متشابهة في موضوعات ذات اهتمام مشترك ... إذ أنها لو كانت مجرد مساعي نحو التجديد و تحدي الموروث لرأينا بالفعل اهتمامات مختلفة و مقاربات مختلفة و اجتهادات مختلفة و ربما استنتاجات مختلفة.

ثانياً: لفت انتباهي أيضاً أن الكثير من أفراد هذه المدرسة قد تحولوا إلى متعصبين لآرائهم بشكل غريب و لا يتورعون عن رمي كل من يخالفهم و يميل إلى الرأي الموروث بالجهل و التخلف و الرجعية و التقليد ... على الرغم من أنهم يزعمون أنهم دعاة إلى حرية الفكر و حرية الرأي و حرية الاجتهاد و حرية الاعتقاد ... فكثير منهم أراه قد وقع فيما يدعي أنه انطلق ابتداءً لتصحيحه ... فتحولت محاولته لكسر الجمود إلى جمود جديد ... و تحولت مساعيه إلى تحرير الفكر إلى شكل جديد من الاستبداد الفكري ... لسان حالهم يقول: تبن رأيي و إلا فأنت متخلف و قلدني أنا و إلا فأنت جامد و رجعي لأنك تقلد غيري!

ثالثاً: يقولون أن مشكلة المسلمين هي في تقليد شيوخهم من الأسلاف و من المعاصرين، و تعطيل عقولهم و أخذ ما جاءهم من الشيوخ مما ورد في كتبهم أو يرد على ألسنتهم دون فحص و تمحيص و دراسة .. و مع ذلك فإنني ألاحظ أن كثير من أفراد هذه المدرسة يفعلون نفس الشيء تماماً ... فأفكار التجديد هذه بمنطلقاتها و أدواتها و استنتاجاتها النهائية إنما هم يقلدون فيها دعاة و شيوخ يظهرون على الساحة فيطرحون هذه الآراء ... فيأتي الشباب فينقلوا نفس الآراء بحمية و عصبية دون أن يقوموا هم بتحدي آراء شيوخهم و تمحيصها و التفتيش وراء ما قالوه ليختبروا مدى صحته من خطئه ... فكثير منهم بالتالي مجرد مقلدين في ثوب مجددين ... و متعصبيين في ثوب دعاة انفتاح و تحرر ... و هذا تناقض لا يتسقيم.

رابعاً: تدهشني تلك النبرة التي ألمحها في طريقة حديث أفراد هذه المدرسة، حيث تلمس فيها قدح مستمر في الفكر الموروث و همزه و لمزه و رميه بالتخلف و الرجعية و التشكيك في نوايا من جاءوا به، و كأن من متطلبات البحث العلمي المفضي إلى التجديد شتم الماضي و إهالة التراب عليه و اغتيال أصحابه معنوياً ... و هذا بعيد كل البعد عن المنهج العلمي و عن طرائق البحث العلمي التي يعرفها الباحثون في كل العلوم ... ففي كل علوم الدنيا و في كل التخصصات لا يتم قبول الأبحاث العلمية و لا تقبل المجلات و المؤتمرات الكبرى نشرها إلا إذا احتوت على الإشارة الكاملة و الوافية و المنصفة لكل قديم و سابق في الموضوع بمهنية و موضوعية دون تجريح او قدح ... و أي أحد يكتب بحثاً بنبرة أنه جاء بشيء جديد ما أتى به السابقون و لا عرفه الأولون و أنه سينسف كل ما سبق إلا و قوبل بحثه بالرفض.

مرة أخرى ... ليس عندي مشكلة في طرح كل الموضوعات على طاولة النقاش العلمي المتزن ... و أؤيد التجديد ... و أؤيد تحرير العقل من التقيد باجتهادات سابقة ... و أشارك الآخرين في نبذ الجمود و التعصب ...
و لكني ضد أن يتم نسف الاجتهادات العلمية السابقة بطرق غير علمية ... و ضد مواجهة التقليد بتقليد جديد ... و ضد تحرير العقل عن طريق فرض فكر جديد بطريقة استبدادية!

الأربعاء، 9 أبريل 2014

بطاقة تعريف!

بطاقة تعريف:

أنا لست محور الكون و لا بؤرته المركزية ... و يحق لزملائي من سكان الأرض أن تدور نجومهم في مدارات خارج فلكي!

و ليس من الضروري ان تسير كل مجريات الدنيا وفق أهوائي و أمزجتي الخاصة ... يجوز لهذه الدنيا أن تسير عكس هواي ... لا بأس في ذلك! 

و لست أنا القاضي المختص بإطلاق الأحكام النهائية غير القابلة للطعن في كل ما هب و دب من شؤون الحياة ... و لا أظن أن هناك مهنة حقيقية بهذا التوصيف الوظيفي على الرغم من كثرة من سيرشحون أنفسهم لشغلها لو وجدت!

آرائي و مواقفي و أفكاري هي آراء و مواقف و أفكار فقط! ... ليست ثوابت كونية و لا مسلمات قطعية و لا حقائق علمية ... من يختلف معي ليس مجرماً و لا جاهلاً و لا جباناً ... من يختلف معي هو "آخر" ...

لم أحصل للأسف على جائزة "أفضل البشر" ولا جائزة "أنجح البشر" و لا جائزة "أفهم البشر" و لا جائزة " أكفأ البشر" ... و أظن أن السبب وراء هذا هو أن لجنة التقييم دائماً تجد من هو أفضل و أكفأ و أنجح و أفهم مني! .... و سمعت أن هذا الحال قد تكرر مع كل مرشح للجوائز نظرت اللجنة في أوراق ترشيحه!

لا أحمل بطاقة مكتوب فيها "ملاك" ... و لم أقابل حتى الآن شخصاً يحمل بطاقة مكتوبٌ فيها "شيطان" ... أنا أخطئ و هم يصيبون ... و العكس وارد!

هذا أنا ... فمن أنت؟

الخميس، 3 أبريل 2014

علمتني الحياة 16: دناءة الدنيا

علمتني الحياة أن الدنيا أدنى مما كنت أظن ... 

عندما كنت طفلاً صغيراً و كانت أمي تعلمني أن الآخرة ستكون أحلى و أجمل لمن يفوز بالجنة ... أقصى ما كان يذهب إليه تفكيري حينها هو أنني سأكون قادراً على التحليق بجناحين أبيضين كالحمامة أو حتى بدون جناحين تكفيني شريطة حمراء كسوبرمان أو بساط ريح مزركش كذلك الذي كان يحمل سندباد و علاء الدين، و أن الطعام سيكون أشهى و أن الفواكه سيكون حجمها أكبر و طعمها ألذ ... و أن ألعابي لن تضيع أو تنكسر، و أن فقرة أفلام الكرتون في تلفزيون الجنة الرسمي ممكن أن تستمر إلى ما لا نهاية إذا أردت ... و أمثال هذا من الأشياء التي كنت أظن أنها غاية ما يميز الآخرة السامية عن الدنيا الدنيئة ...

ثم دار بي الزمان و مضت بي السنوات حتى اقترب عمري من نصف ما قسم الله لهذه الأمة من أعمار ... فوعظتني الأيام بأشياء لم تخبرني بها أمي ... أحسبها أخفتها عني إشفاقاً عليًّ و أملاً في أن يكون زماني أحسن من زمانها ...

علمتني الحياة أنها صعبة .. قاسية .. موحشة .... متوحشة ... يكثر فيها الظلم، و يعز فيها الإنصاف .. التعاون فيها استثناء و التحاسد هو الأصل ... أكبر ظالم فيها هو الإنسان ... و أكبر مظلوم هو الإنسان أيضاً ... أهم ما فيها هو المال .. ثم يليه المال ... ثم يليه المال ... أما البشر فهم أرخص من تراب الربع الخالي ... الواحد فيها يساوي ما معه من قروش ... و بقدر القروش تمتلئ الكروش وتقترب العروش ... و ليس لمن لا يملكها إلا النعوش ...

علمتني الحياة أنها كوميديا تراجيدية هزلية جادة تُتلى فيها نصوص النفاق العالمي على مسارح الجشع الدولي المفضوح ...حيث الكل يخدع الكل ... و الكل ينخدع من الكل راضياً مختاراً .... و كأنه تواطؤ على الاستهبال ... أو مؤامرة محكمة على العقل و المنطق ... أو عملية اغتيال متعمدة للضمير ... أو هي الجرائم الثلاثة معاً ...

اللسان معسول، و الكلمات طنانة رنانة تلتصق بالأسنان و تطرب لها الآذان: "السلم العالمي" ... "الأسرة الدولية".... "حقوق الإنسان" ... أما المضمون فخلاصته: "الانصياع التام أو الموت الزؤام" ... و كله بالقانون!

علمتني الحياة أنها ليست حفلة وادعة يفوز فيها من ظفر بقطعة الكيك الأولى أو من حصل على جائزة السحب العشوائي الكبرى في نهاية الحفل ... بل هي معركة شرسة و حرب ضروس طاحنة ... الفائز فيها هو من ينجو بضميره من الموت .. و من ينجو بعقله من العطب ... و من ينجو بروحه من الإفساد ... و من ينجو ببطنه من احتواء الحرام ... و من ينجو بذوقه و فطرته من التشوه ... و من ينجو بدينه من الضياع ...

نصف حياة كانت كافية لتفضح الدنيا و تكشفها عاريةً أمامي ... و لكن هل ما تناهى إليه علمي هو القاع؟ أم أن هناك أدراك أدنى و أحط و احقر لم تخبرني بها أمي و لم تكشفها لي الحياة بعد؟ أم أن القدر سيوافق تفاؤل أمي و يكون الغد أجمل ... أو أخف سوءاًُ على الأقل؟!

الأربعاء، 26 مارس 2014

علمتني الحياة 15: استثمار ناجح و ربح أكيد


علمتني الحياة أن أنجح التجارات و أربح الاستثمارات هي تلك التي يُنفق فيها الجهد و يُبذل فيها الوقت في خدمة الناس و قضاء حوائجهم و القيام على أمورهم !

و كلامي هذا بريءٌ من المجاز، فأنا أقصد التجارة و الاستثمار بمعناهما الحقيقي كما عند أهل الأسواق ... و أنا أعني ما أقول!
إذ أن من يتجر بماله إنما يفعل ذلك طلباً لسعادةٍ و سترٍ و راحة بالٍ و رغد عيشٍ تؤمنها له أرباح التجارة في الغالب.
فإن كان هذا حقاً هو المبتغى فإن السعادة و الراحة النفسية و حالة الرغد الروحي التي يظفر بها من ينفق وقته في خدمة الناس لا يمكن أن يحتويها وصفٌ أو أن يحدها حدٌ أو أن يفلح في تبيانها لفظٌ مهما كان بليغاً ... فإن الذي يذاق بالقلب يصعب وصفه باللسان ... و لا يفهم معنى كلامي هذا إلا من جرب و ذاق .. و من ذاق عرف!

و لئن كانت السعادة التي ينتهي إليها التاجر لا تتأتى إلا بعد معاناة ضغوط العمل و توترات الأعصاب التي تفرضها تقلبات السوق و الصداع الذي يجلبه إلحاح الدائنين و مراوغات المدينين ... فإن سعادة القيام التطوعي على شئون الناس هي سعادة سابقة و مرافقة و لاحقة للعمل ... و يتعاظم السرور فيها طردياً مع التعب ... حتى إذا ما رأى باذل وقته ثمرة جهده و هي ترتسم ابتسامات و علامات رضى على وجوه من يساعدهم فكأنه قد حيزت له الدنيا بما فيها في تلك اللحظة ...

بل علمتني الحياة ما هو أبعد من هذا و أكبر ... فلقد تواترت عندي الشواهد القطعية، و أثبتت لي كل التجارب العملية أنه "ما نقص وقت من تطوع" .. بل يزيد ببركة يطرحها الله فيه .... و أنني كلما قمت على حوائج شخصٍ واحدٍ .... أقام الله لي على شؤوني سبعة أشخاص يخدمني كل واحد منهم مائة خدمة والله يضاعف لمن يشاء ... و كأن التطوع هو زكاة الوقت كما أن للمال زكاته ...

علمتني الحياة أنني ممكن أن أربح بقيامي على شؤون الآخرين أضعاف ما أربح بقيامي على شؤون نفسي ... و لن يصدق كلامي إلا شخصٌ جرب كما جربت و لاحظ ما لاحظت ... أو آخرُ يعرف قليلاً من قوانين الأسواق و كثيراً من قوانين الحياة و سنن الكون و موازين الإيمان!

الأربعاء، 19 مارس 2014

خواطر على طريق النهضة: 7 - دربٌ طويل

هذه الخاطرة السابعة من مجموعة خواطر نثرية أدبية كتبتها منذ 6 أعوام تحكي قصة رمزية لأحد صناع الحياة جلس دهراً طويلاً في بيت السلبية و النكوص، و بعد أن التذع قلبه لحال وطنه و أمته قرر أن ينهض و أن ينتفض و أن يخرج من سلبيته إلى طريق الإيجابية و صناعة الحياة و النهضة. 

الخاطرة الأولى كانت بعنوان "المفتاح و رسالتها الأساسية أن أول خطوة في طريق العمل من أجل نهضة الأوطان هي عقد نية خالصة لا تخالطها مصالح شخصية أو مطامع دنيوية أو حظوظ نفس.

الخاطرة الثانية كانت بعنوان "غذ روحك .. و اكتمل" و رسالتها أن مشوار النهضة يحتاج إلى زاد و تكوين إيماني و علمي و مهاري و جسماني متكامل.

الخاطرة الثالثة كانت بعنوان "هل يقف؟"  و رسالتها أن مساعي النهضة تحتاج إلى إيجابية عالية و استعداد للبذل و العطاء و الفناء،  و إقدام إلى الأمام ... بلا توقف! 

الخاطرة الرابعة كانت بعنوان "ارفع راية"  و رسالتها أن من واجب صانع الحياة أن يكون عنصر تحفيز و تحريك لمن حوله .. فيكون هو المبادر و حامل الراية ثم يجمع من حوله نفر كثير متنوعي المهارات و القابليات ليكونوا هم نواة النهضة و مشروعها الأول.

الخاطرة الخامسة كانت بعنوان "لا تتأخر!"  و هي دعوة مفتوحة بصوت عالٍ لكل صاحب عطاء أياً كان تخصصه أن يلتحق بقوافل العاملين و أن يضع يده في أيديهم حتى تحصل البركة و يكون التوفيق حليف الجميع.

الخاطرة السادسة كانت بعنوان "همة الملوك" و تصف حالة الهمة العالية التي ينبغي أن يتصف بها صانع الحياة على الدوام لتكون وقود التحريك اللازم للتوغل بعيداً في درب النهضة الطويل ...


الحلقة السابعة: درب طويل





بقدر الهم : تكون الهمة ...

و لا يحوز همة الملوك إلا من قضت الهموم مضجعه ، و أفزعت الخطوب مخدعه، و أغرقت جراح الأمة مدامعه… و استقر في جوف قلبه شعور رصين قويٌ مكين أنه لابد من بذل الروح و إنفاق العمر لتحيا الأمة و تشرق أنوار النهضة…

و لئن كان امرؤ القيس في زمن الجاهلية قد مدح صاحبه في شعره فوصفه بـ : ( قليل همومٍ ... ما يبيت بأوجال)، يعدُّ الفراغ و راحة البال و قلة الهموم  خصلةُ تُمدح و تُطرى ..  فإن صانع الحياة على العكس تماماً:  قد نذر نفسه لهم النهضة، و جعلها موقوفةً خالصةً لهموم الأمة، و قدمها قرباناً تقترب به الأمة من لحظة العز المنشود و السؤدد المفقود ، تسمعه يردد : 

إن السعادة أن تعيــــش ::: لفكـــرة الحق التليد
لعقيدةٍ كبرى تحــــــــل ::: قضيـة الكون العتيد
تعطي حياتك قيمــــــــةً ::: رب الحيـاة بها يشيد

(فإذا جالت هموم الناس في أفلاك شهواتهم ، حلق نجم همه في فلك فكرته و نهضة أمته:
سارت مشرقةً ، و سرت مغرباً ::: شتان بين مُشّرقٍ و مُغرِّب

و تعجب لحاله و قد أسهر ليله و أضنى نهاره ..في ليله قائم، و في نهاره هاجم ... قيامٌ لا قعود عنه ... و ركوبٌ لا نزول معه .. شعاره العُمَرِي الأصيل : ( الراحة للرجال غفلة ) ... )* 

إذا تكلم عن أمته و خاض في أدوائها و همومها كان له في سفيان الثوري سلف حين سأله ولده : يا أبت لماذا إذا تكلمت أبكيت الناس؟ فأجابه : ( يا بني ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة ) ... 

حياته صورة حية لما سطره صانع الهند (الندوي) في (تذكرة الدعاة) حين قال :

(( إنه من الواجب أن تكون في قلوبكم نارا متـقدة تكون في ضرامها على الأقـل مثـل النار التي تتـقد في قلب أحدكم عندما يجد ابناً له مريضاً ، ولا تدعه حتى تجره إلى الطبيب ، أو عندما لا يجد في بيته شيئاً يسد به رمق حياة أولاده ، ولاتـزال تـقـلـقه و تضطره إلى بذل الجهد والوسع)) 

((وعليكم بالسعي أن لا تـنـفـقوا لمصالحكم وشؤونكم الشخصية إلا أقـل ما يمكن من أوقاتكم و جهودكم ، فتكون معظمها منصرفة لما اتخذتم لأنفسكم من الغاية في الحياة وهذه العاطفة مالم تكن راسخةً في أذهانكم ، ملتحمةً مع أرواحكم و دمائكم ، آخذةً عليكم ألبابكم وأفكاركم ، فإنكم لا تـقـدرون أن تحركوا ساكناً بمجرد أقوالكم ))

يا نهضة ... هذا هو صانع الحياة:


له أحاديث من ذكراك تشغله ::: عن الطعام و تلهيه عن الزاد


صانع الحياة قد وحد همه ... رايته المرفوعة قد كتب عليها قول سيد الصانعين صلى الله عليه و سلم: (( من جعل الهموم هماً واحداً ، هم آخرته، كفاه الله هم دنياه )) .. 

و لصانع الحياة عقل لا يريحه فهو دائم الانشغال في أمور الأمة و دائم التفكير في قضايا النهضة ... تفكيرٌ أذهله عن الكل ... 

سلفه في ذلك الصانع -إمام أهل السنة- أحمد ابن حنبل يوم أن دخل عليه أبو سعيد الواسطي السجن قبل أن يضرب في فتنة المعتزلة و فرية خلق القرآن .. فقال له في بعض كلامه : يا أبا عبد الله : عليك عيال، و لك صبيان ، و أنت معذور . كأنه يبرر له و  يسهل عليه الاستسلام و التراخي أمام الخليفة،  فقال له أحمد ابن حنبل: (( إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد فقد استرحت !)) 

و مع هذا كله فإن في حياته سعادة لا تُجارى منبعها الروح،  و سرورٌ لا يوصف قد سكن في سويداء القلب ... الناس ترى الغبطة في الدعة و الراحة و السكون و هو ينشدها في إتعاب الجسد و إتلاف الجوارح و الأطراف ... يقول :

قالوا السعادة في السكون ::: و في الخمول و في الخمود
قلت الحياة هي التحـرك :::  لا السكون و لا الهمــــــــود
و هي التلذذ بالمتاعـــب ::: لا التـــــلذذ بالرقـــــــــــــود

هذه هي حياة صانع الحياة التائق للنهضة ...  نقلنا لكم طرفاً من أخبارها ... و ما خفي كان أعجب !!   قد تبدو طريقه صعبة و شاقة و تحفها الأشواك و ألوان المكاره ... و لكن:

هذا السبيلُ ولا سبيلَ سِواهُ إن تبغِ الوصول
هذا السبيلُ وإِن بدا من صاحبِ النظرِ الكليل
درباً طويلاً شائكاً أو شِبهَ دربٍ مستحيــــــل
لا دربَ يوصلُ غيرَه مع أنه دربٌ طويــــــــلْ

خواطر على طريق النهضة: 6- همة الملوك

هذه الخاطرة السادسة من مجموعة خواطر نثرية أدبية كتبتها منذ 6 أعوام تحكي قصة رمزية لأحد صناع الحياة جلس دهراً طويلاً في بيت السلبية و النكوص، و بعد أن التذع قلبه لحال وطنه و أمته قرر أن ينهض و أن ينتفض و أن يخرج من سلبيته إلى طريق الإيجابية و صناعة الحياة و النهضة. 

الخاطرة الأولى كانت بعنوان "المفتاح و رسالتها الأساسية أن أول خطوة في طريق العمل من أجل نهضة الأوطان هي عقد نية خالصة لا تخالطها مصالح شخصية أو مطامع دنيوية أو حظوظ نفس.

الخاطرة الثانية كانت بعنوان "غذ روحك .. و اكتملو رسالتها أن مشوار النهضة يحتاج إلى زاد و تكوين إيماني و علمي و مهاري و جسماني متكامل.

الخاطرة الثالثة كانت بعنوان "هل يقف؟"  و رسالتها أن مساعي النهضة تحتاج إلى إيجابية عالية و استعداد للبذل و العطاء و الفناء،  و إقدام إلى الأمام ... بلا توقف! 

الخاطرة الرابعة كانت بعنوان "ارفع راية"  و رسالتها أن من واجب صانع الحياة أن يكون عنصر تحفيز و تحريك لمن حوله .. فيكون هو المبادر و حامل الراية ثم يجمع من حوله نفر كثير متنوعي المهارات و القابليات ليكونوا هم نواة النهضة و مشروعها الأول.

الخاطرة الخامسة كانت بعنوان "لا تتأخر!"  و هي دعوة مفتوحة بصوت عالٍ لكل صاحب عطاء أياً كان تخصصه أن يلتحق بقوافل العاملين و أن يضع يده في أيديهم حتى تحصل البركة و يكون التوفيق حليف الجميع.


 الحلقة السادسة: همة الملوك




همتي همة الملوك ونفسي  ::::  نفسُ حرٍ ترى المذلة كفـراً

ما أصدق أبيات الشافعي في النطق بلسان حال صاحبنا صانع الحياة المتشوق للنهضة ... 

فالهمة العلية السامقة و النفس الحرة الأبية المحلقة هما أجذر نبتتين زُرعتا في قلبه، فأثمرتا ثمراً غضا طرياً  (استوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار) فـ( انظروا إلى ثمره إذا أثمر و ينعه) ... 

فصانع الحياة لا سقف لهمته:   قدمه في الثرى .. و هامة همته فوق الثريا!!


له همةٌ لا منتهى لغايتهــــــا  ::::  و همته الصغرى أجل من الدهر!!

لا يقنع بالمرتبة الدنيا، و لا بالمرتبة الوسطى من معالي الأمور ...  تجده دائماً يردد قول النابغة الجعدي :

بلغنا السما أجدادنا و جدودنا ::::  و إنا لنبغي فوق ذلك مظهرا!!


و مذهبه هذا في طلب المعالي ليس بالمبتدع ... بل هو عين الاتباع لمذهب مبدع بغداد - ابن الجوزي- حين قرر في كتابه "صيد الخاطر" أنه : 
(( ينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه، فلو كان يتصور للآدمي صعود السماوات لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض، فلو كانت النبوة تأتي بكسب لم يجز له أن يقنع بالولاية، ولو كانت تحصل بالاجتهاد رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض، غير أنه إذا لم يمكن ذلك فينبغي أن يطلب الممكن، أو تصور مثلا أن يكون خليفة لم يحسن به أن يقتنع بإمارة، ولو صح له أن يكون ملكا لم يرض أن يكون بشرا، والمقصود أن ينتهي بالنفس إلى كمالها الممكن لها في العلم والعمل! ))

و على هذا الخطو الصاعد المحلق كان عرف السائرين من الصناع الأوائل ... فهذا عمر بن عبد العزيز صاحب النفس التواقة و الهمة المضيئة المشرقة يصف نفسه و يقول : 

(( إن لي نفسا تواقة، لقد رأيتني وأنا في المدينة غلاماً مع الغلمان، ثم تاقت نفسي إلى العلم وإلى العربية والشعر فأصبت منه حاجتي وما كنت أريد.. ثم تاقت نفسي وأنا في السلطان إلى اللبس والعيش والطيب فما علمت أن أحدا من أهل بيتي ولا غيرهم كان في مثل ما كنت فيه.. ثم تاقت نفسي إلى الآخرة والعمل بالعدل فأنا أرجو ما تاقت إليه نفسي من أمر آخرتي ))

صانع الحياة يطلب الإمامة و يسعى إليها! و لكنها إمامة العلم و إمامة التقوى  و إمامة البذل، شعاره: ( واجعلني للمتقين إماماً...) ... و لإبراهيم –عليه السلام- في طلب هذا و السعي إليه قدم سبق ... فيا فوز من اتبع!

صانع الحياة لا يتأخر عن ركاب الخير ... بل تراه قد أسرج له مع كل قافلةٍ سائرة إلى الله خيل ...و قد حجز له في كل ميدانٍ من ميادين العطاء محل ... تعجب لحاله كيف يتصدر السائرين في كل محفل .. و غفلت أن وصية وهيب بن الورد: (إذا استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحدٌ فافعل) قد حركت همته ، و أوقدت نار عزيمته فانطلق من بين الركبان إلى أعلى مكان !!!

بهذه الروح القممية الخفاقة، و تلك النفس المشرقة الوضاءة.. لما سمع صانع الحياة نداء ( لا تتأخر)  فإذا به يطير على متن همته، آخذاً بعنان عزيمته، متقلداً سيف إرادته، فلم يحط رحاله إلا في مقدمة الركب حيث الهمم العلية :همم الملوك ... 



الثلاثاء، 18 مارس 2014

خواطر على طريق النهضة: 5 - لا تتأخر!

هذه الخاطرة الخامسة من مجموعة خواطر نثرية أدبية كتبتها منذ 6 أعوام تحكي قصة رمزية لأحد صناع الحياة جلس دهراً طويلاً في بيت السلبية و النكوص، و بعد أن التذع قلبه لحال وطنه و أمته قرر أن ينهض و أن ينتفض و أن يخرج من سلبيته إلى طريق الإيجابية و صناعة الحياة و النهضة. 

الخاطرة الأولى كانت بعنوان "المفتاح و رسالتها الأساسية أن أول خطوة في طريق العمل من أجل نهضة الأوطان هي عقد نية خالصة لا تخالطها مصالح شخصية أو مطامع دنيوية أو حظوظ نفس.

الخاطرة الثانية كانت بعنوان "غذ روحك .. و اكتملو رسالتها أن مشوار النهضة يحتاج إلى زاد و تكوين إيماني و علمي و مهاري و جسماني متكامل.

الخاطرة الثالثة كانت بعنوان "هل يقف؟"  و رسالتها أن مساعي النهضة تحتاج إلى إيجابية عالية و استعداد للبذل و العطاء و الفناء،  و إقدام إلى الأمام ... بلا توقف! 

الخاطرة الرابعة كانت بعنوان "ارفع راية"  و رسالتها أن من واجب صانع الحياة أن يكون عنصر تحفيز و تحريك لمن حوله .. فيكون هو المبادر و حامل الراية ثم يجمع من حوله نفر كثير متنوعي المهارات و القابليات ليكونوا هم نواة النهضة و مشروعها الأول.




الخاطرة الخامسة:  لا تتأخر!



لما نزل قول الحق : ( فاصدع بما تؤمر ... )  و كان الإيذان بالصدع ... ارتقى سيد الصانعين -صلى الله عليه و سلم - ربوة الصفا و هتف بقومه : (ياصباحاه !!) ...

نداء الصباح ... بعد أن أطنب ليل الجاهلية و طال
نداء النور ... بعد أن احلولك ظلام الشر  و اشتد
نداء الهداية ... بعد أن جلجلت نداءات الضلالة دهراً 
نداء الدعوة الصارخة الصادحة الصادقة إلى طريق العدل و الحرية .... طريق النهضة و البناء و صناعة الحياة ...

و على نفس النهج ... لما لامست (ارفع للنهضة راية ) سمع صانع الحياة و قلبه،   نهض من فوره، و ارتقى ربوة الصفاء، و رفع  راية الخير بيمناه، و هتف بالسائرين: ( يا صباحاه! ) ثم انشد يخطب:

قم نعد عدل الـهداة الراشـديـن *** قم نصل مجد الأباة الفاتحيـن
قم نفكَّ القـيــــــد قد آن الأوان *** شقي الناس بدنيا دون ديــــن
فلنعدها رحمـة للعـالميــــــــن *** لا تقل: كيف ؟، فإنا مسلمون
يا أخا الإســلام في كل مكـان *** اصعد الربوة و اهتف بالأذان
وارفع الراية في أعلى مكان *** و املأ الآفاق : إنا مسلمــــون
مسلمون مسلمون مسلمـــون *** حيث كان الحق و العدل نكون

ثم يرفع عقيرته مرةً أخرى مردداً  هتاف من سبقوا:

(لابد من طليعة ، تعزم هذه العزمة ، وتمضي في الطريق)

( و الثلاثة يصبحون عشرة ، و العشرة يصبحون مائة، و المائة يصبحون ألفا، و الألف يصبحون اثني عشرة ألفا ... )  بإذن الله!

كان من صاحبنا الهتاف ... بإخلاصٍ ... و صدقٍ ... و حرص...  فكانت الاستجابة من أرهاط الخير ... بإقبالٍ... و إصرارٍ ... وإقدام ... و انحازت قوافل الأخيار إلى راية الخير ...  ومضت قافلة الرواحل:

(وجهتها معروفة واضحة ... و خطاها وئيدة ثابتة .... نجائبها لا تعوقها العوائق، و لا تلتفت إلى الوراء ....  دليلها حداء، لا تزعجها صرخات النشاز ، و لا يحول دون سيرها همس الإغراء ..)(1)

(تمضي هادئة... و لكنها أقوى من الزوابع العاصفة ... 
تمضي متواضعة...لكنها أعزمن الشم الرواسي ... 
تمضي بخطىً محدودة....لكنها أوسع من حدود الأقطارالأرضية جميعاً...
تمضي خالية من المظاهر الزائفة والبهرج الكاذب ....ولكنها محفوفة بجلال الحق، وروعة الوحي، ورعاية الله ...
تمضي مجردة من المطامع والأهواء والغايات الشخصية و المنافع الفردية .... ولكنها تورث الملتحقين بها السائرين بركبها السيادة في الدنيا، والجنة في الآخرة. )(2)

تمضي قافلة الرواحل ...   و الحادي يناديك:   يا أخي اركب معنا...

ماذا تنتظر..؟!!!
هيا
اسرج خيلك...
امتطِ صهوة جوادك...
خذ بعنان فرسك ...
الحق بالركب ... 
ولاتتأخر!!
انهض وشاركنا بصوتك ... وقلمك ... ومسطرتك ...ومشرطك ... و فأسك ....و دفترك ....و عقلك .... و مواهبك .... و إيجابيتك .... و حبك للخير .... و إخلاصك ....  ولاتتأخر !

فالصامت .... متأخر 
والمتفرج .... متأخر
و القاعد.... متأخر
و الناظر إلى الوراء.... متأخر
والراضي بالدون.... متأخر
و السلبي.... متأخر
و صاحب الهمة الدنيئة.... متأخر
وصاحب القلم الجاف.... متأخر
وصاحب الطاقة المخزونة غير المتفجرة.... متأخر
و صاحب المواهب المخفية... متأخر
وصاحب الإبداعات الكامنة المتوارية.... متأخر

متأخر.... و الحادي لا ينتظر ....
متأخر.... و الفرص قلائل...
متأخر.... و العمر محدود ...
متأخر.... والله يسأل عن العمل....
متأخر .... والقافلة تمضي قدماً....
متأخر ... و سوف يندم ...
ولات حين مندم !!

فالحق بالركب هيا...

و لا تتأخر!!


و إلى لقاء قريب قادم مع خواطر على طريق النهضة





-----------------------------------
(1) الفقرة مستفادة من مسافر قي قطار الدعوة بتصرف
(2) الفقرة من تحت راية القرآن بتصرف

الأحد، 16 مارس 2014

خواطر على طريق النهضة: 4- ارفع راية

هذه الخاطرة الرابعة من مجموعة خواطر نثرية أدبية كتبتها منذ 6 أعوام تحكي قصة رمزية لأحد صناع الحياة جلس دهراً طويلاً في بيت السلبية و النكوص، و بعد أن التذع قلبه لحال وطنه و أمته قرر أن ينهض و ينتفض و يخرج من سلبيته إلى طريق الإيجابية و صناعة الحياة و النهضة. 

الخاطرة الأولى كانت بعنوان "المفتاح و رسالتها الأساسية أن أول خطوة في طريق العمل من أجل نهضة الأوطان هي عقد نية خالصة لا تخالطها مصالح شخصية أو مطامع دنيوية أو حظوظ نفس.

الخاطرة الثانية كانت بعنوان "غذ روحك .. و اكتملو رسالتها أن مشوار النهضة يحتاج إلى زاد و تكوين إيماني و علمي و مهاري و جسماني متكامل.

الخاطرة الثالثة كانت بعنوان "هل يقف؟"  و رسالتها أن مساعي النهضة تحتاج إلى إيجابية عالية و استعداد للبذل و العطاء و الفناء،  و إقدام إلى الأمام ... بلا توقف! 


الحلقة الرابعة:  ارفع راية!



و يمضي الصانع في طريق النهضة العريض اللاحب...   و إذ بتلةٍ شامخةٍ تلوح في مطلع الطريق ...و على أعلى قمةٍ فيها غرست راية...  و ألف تساؤلٍ و تساؤلٍ تثور ثائرته في نفس الصانع...
ما مدلولها ؟
ما مغزاها ؟
في أول منعطف في الطريق: راية!! ... لماذا ؟ 

و بعد طول تأملٍ و تدبر ...

يدور شريط الذاكرة إلى عهد ليس بعيد ... و يستذكر الصانع كلماتٍ كاد أن يحفظها منذ أن طالعها يوماً في (راية الخير) من كلام عبد الوهاب عزام يوم أن قال:

(لا يخدعنكم الفساد الظاهر والشر المستشري، ولا يهولنكم ذكر فلان وفلان من المفسدين، ففي الأمة أخيار أكثر ممن تعدون من الأشرار،  ولكنها رايةٌ رفعت للشر فأوى إليها أشرارها،  وهرع نحوها أنصارها،  ونفر منها الأخيارفلم ينحازوا إليها،  ولم نسمع أصواتهم حولها.....  ولو رفعت للخير راية لانحاز إليها الأخيار وحفوا بها وسكنت أمة الأشرار وقل جمعهم وخفت ذكرهم ) .

نعم ... إنها راية الخير ...
لاحت للصانع في أول الطريق ... 
تقول له : ارفع للنهضة راية ... 
ارفعها إلى أعلى علو ... 
ارفعها لينحاز إليها الصانعون المخلصون ...
ارفعها ليراها التائهون ... 
ارفعها ليسترشد بها المنقطعون ...

ارفعها فإن أهل الباطل لم يتورعوا لحظةً عن رفع رايات باطلهم بكل جرأة و تبجح ...فتجمع الناس حول هذه الرايات وإن كانت سوداء ... و انضووا تحت لواء أفكارها و إن كانت باطلة.... وأعطوا الولاء لقياداتها و إن كانت مفسدة فاسدة ....

ارفعها و ليرفعها من خلفك كل الصانعين...
ارفعها و لا تهب ...
ارفعها في كل ميدان:
       ارفعها في وسط البيت ... و ليرفعها أهلك ...
       ارفعها في ساحة جامعتك أو مدرستك ...و ليرفعها أقرانك ...
       ارفعها في مكتب عملك ... و ليرفعها رئيسك و مرؤوسك ...
       ارفعها في ناصية الشارع ... و ليرفعها كل من مر ...
       ارفعها في سوق الحي .. و ليرفعها كل حي... 
       

كن صانع حياة في كل ميدان ...

(فصانع الحياة: عالمٌ .. أو طالب علمٍ .. ملئ علماً و فقها و فهماً من رأسه إلى أخمص قدميه ...
صانع الحياة : مسؤولٌ يفيض هماً و عملاً و إخلاصاً و حرصاً..
صانع الحياة : أستاذُ و معلمٌ و مربٍٍ و قدوة... يفيض تجربة و حكمة ...
صانع الحياة : تاجرٌ موثرٌ ورعٌ .. يقول بالمال هكذا و هكذا في وجوه الخير ...
صانع الحياة : قاضٍ يحكم بالعدل ... باذلٌ للفضل ... واصلٌ للحبل ..
صانع الحياة : إمامٌ و خطيبٌ و شعلةٌ تنير الطريق لأهل حيه و شارعه و مسجده
صانع الحياة: شابٌ يتدفق حيويةً و ناشطاً في مدرسته أو جامعته .. و بين زملائه و اهله و عشيرته ...
صانع الحياة : متطوعٌ معطاء ينفق وقته وجهده بإخلاص و تجرد لا ينتظر الأجر إلا من الله ...
صانع الحياة : كاتبٌ و شاعرٌ و صحفيٌ .. يحمل هم أمانة الكلمة و نصرة قضايا شعبه و أمته...
صانع الحياة : طبيبٌ يداوي القلوب قبل الأبدان ...
صانع الحياة : مهندسٌ يرسم لعمارة الروح قبل عمارة البنيان ...
صانع الحياة : جنديٌ يعلم أن الأمان في الإيمان ...
صانع الحياة : طيارٌ يطير بالخيرات الحسان ....
صانع الحياة : رجل أمة ... شعلة و همة ... و علو و قمة ... 
صانع الحياة : يصلح ما أفسده الناس ... غريبٌ في زمن الغربة ... فلا تلوموه ... دعوه ...

دعوه لا تلومــــوه دعــــوه :::: فقـد علم الذي لم تعلمــــــوه
رأى علم الهدى فسما إليه :::: و طالب مطلباً و أضعتمـــوه
أجاب دعــاءه لما دعــــاه :::: و بدأ بأمر و تركـتمـــــــوه
لعمري ذاك من فطنٍ لبيبٍ :::: تذوق مطعماً لم تطعمـــــوه
) *


إذن .. هيا يا صانع الحياة ... اجمع حولك كل هؤلاء . .. إبدأ طريق النهضة بارتقاء التلة ... 

و ارفع

للنهضة

رايــة

*******
و إلى لقاء قريب قادم...
مع خواطر صانع على طريق النهضة...

-----------------------------------
(*) الفقرة مستفادة من رسالة بعنوان الرجل الألف بتصرف

السبت، 1 مارس 2014

علمتني الحياة 14: باب النجاح الحصري

علمتني الحياة أن النجاح ابن السعي و أن الحظ و النصيب و الصدفة و الأقدار المقدورة هم جوائز السعي و ليسوا آباءه ولا أجداده!

المسافة بين النجاح و الفشل تقاس بأمتار البذل و أميال الاجتهاد لا بضربات الحظ و لا قسائم الـ"يانصيب" ...

من حالفه الفشل و رأي غيره يظفر بالنجاح..  عليه أن يتذكر لحظات الابطاء التي حالت بينه و بين الوصول ... و أن ينتبه إلى فوارق السعي التي أخرته ووضعت صاحبه في المقدمة ... 

سألوا أحدهم: "كيف تفوقت على خصمك؟" فأجاب: "كنت أستيقظ قبله بساعة" ... و ربما كان ينام بعده بساعة كذلك ...

علمتني الحياة أن الحظ و النصيب ما هما إلا حالات تزداد فيها احتمالات النجاح طردياً مع ازدياد السعي ... فمن جرب 10 مرات كان حظه و نصيبه 10 أضعاف من جرب مرةً واحدة ... و من زاد على أقرانه في أوقات البذل ساعة سبقهم بـ 60 متر .. كل دقيقة بمتر!

و اكتشافات الصدفة لا تأتي صدفة ... بل هي النتيجة الطبيعية لمقادير من السعي بُذلت بحدود تجاوزت الحد العادي عند بقية الناس ففاز صاحب السعي بصدفته ... و قعد الباقون لا صدف تأتيهم!

سألوا زميلاً لي في العمل: كيف وقعت على تلك الفكرة الرائعة؟ ... فأجابهم أنه تصادف أن ذهب إلى حضور ندوة فجاء فيها ما قدح في رأسه تلك الفكرة ... و الحقيقة أن لا غرابة في مصادفة تلك الصدفة لصديقي! ... فصاحبي هذا يذهب إلى ندوات ضعف ما يذهب إليه البقية ... و ربما له جلسات تفكير و تأمل في شؤون العمل راكمت في رأسه وقود أفكار كامنة كانت تنتظر شرارة الصدفة لتقدحها فتشعلها ناراً فتكون إبداعاً جديداً ...

حتى الأقدار التي نؤمن بنفاذها هي أقدار متعددة يدفع بعضها بعضاً و ليست قدراً واحداً جبرياً، و مشروعٌ لنا أن نفر من قدرٍ إلى قدر ... و لا يكون الفرار إلا بسعي ...

علمتني الحياة أن السعي هو باب النجاح الحصري ... و أن حكايات النصيب الضائع و الحظ العاثر و الأقدار الغالبة ما هي إلا بضاعة الكسالى الفاسدة في أسواق الفشل الكاسدة!

و لم أجد الإنسان إلا ابن سعيـه *** فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
و بالهمة العلياء ترقى إلى العـلا *** فمن كان أعلى همــةً كان أظـهــــرا
و لم يتـأخـــــر من أراد تقدمـــــا *** و لم يتـقـــــدم من أراد تاخـــــــــــرا!

"و قل اعملوا"