الأحد، 27 نوفمبر 2011

إصلاح ... لا مصالحة!

منذ عدة سنوات و الواقع الفلسطيني يشهد تراجعاً مستمراً على كافة الصعد السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. 

يعزو الكثيرون هذا التردي إلى الانقسام الجيوسياسي بين الضفة وغزة أو بين فتح و حماس.

و الحقيقة -من وجهة نظري- أن هذا غير صحيح، فحالة التراجع سبقت الانقسام و استمرت بعده، و ما جاء الانقسام في المنتصف إلا كأحد صور و تجليات حالة التردي.

الاعتقاد بأن المصالحة السياسية بين فتح و حماس هي وحدها الكفيلة بإيقاف النزيف و إسعاف الواقع المزري، هو اعتقاد خاطئ.

يؤسفني أن أقول أننا قد أضعنا وقتاً طويلاً في انتظار المصالحة، و علقنا آمالاً كثيرة و عريضة و طويلة على كل اجتماع أو مبادرة أو ورقة تفاهمات تساهم في تقريب المسافة بين الطرفين. كل هذه الآمال كان منطلقها اعتقاد البعض أن الانقسام هو المشكلة و أن المصالحة هي العصا السحرية التي ستقلب الواقع و تغير اتجاه المنحى من هبوط إلى صعود.

الذي أراه أن الحالة الفلسطينية بحاجة إلى "إصلاح"  و ليس إلى "مصالحة". و السبب في هذا شديد البداهة و الوضوح، ذلك أنه في حال وجود خلل أو مرض فإن الحل الأمثل هو في إصلاح الخلل و علاج المرض،  و ليس في التوافق أو التصالح على كيفة التعايش مع الخلل أو التأقلم مع المرض!

"الإصلاح" يعني فعل ما هو صواب رضي من رضي و غضب من غضب..  في حين أن "المصالحة" تعني تقريب وجهات النظر و طرح مساومات و تقديم التنازلات (حتى عن بعض ما هو صواب ربما!)

الخطأ الذي وقعنا فيه هو أننا جلسنا في بيوتنا ننتظر "التصالح" ... مغفلين أن المطلب الجوهري للشعب و الجمهور هو "الإصلاح"، بغض النظر عن اتفاق الأطراف أو اختلافها!

بوقوعنا في هذا الخطأ أصبح مستقبل الوطن و حقوق المواطن و تصورات الشعب في كيفية إدارة بلده .. كلها أصبحت ملفات على طاولة التفاوض الفصائلي، و محل مساومة و أخذ و رد، و عرضة لضغوط خارجية و داخلية، و رهينة لمصالح دولية و إقليمية.

الحراك الشبابي الذي شهدناه في الشارع الفلسطيني خلال العام المنصرم - و إن كان إيجابياً من حيث أنه طمأننا أن صوت الشعب مازال حاضراً - إلا أنه للأسف أخفق في فهم المعادلة، ووقع في نفس الخطأ و من هنا كان الفشل السريع.

إنه من الغريب و من المدهش و من المحزن أن تظل مطالب أساسية كإصلاح منظمة التحرير، و إصلاح الأجهزة الأمنية، و إعادة النظر في المسار السياسي و غيرها مقترنة بملف المصالحة و مطروحة للتفاوض و التداول و التنازل، و مرهونة بالتزام الأطراف، و تحتاج إلى بناء ثقة و مقدمات و مؤخرات.. إلخ ...إلخ ....  في حين أنه لا يختلف عاقلان على أنها من الضرورات الأساسية لمعالجة الخلل، و أن التأخر في تحقيق هذه الإصلاحات الضرورية و الرئيسية هو رأس الخلل و أس الداء و أساس البلاء... و هو من الأسباب الرئيسية التي قادت إلى الإنقسام!

من المؤسف أن هذه الملفات الجوهرية أصبحت محل للاستقطاب الحزبي و التناقر الفصائلي!

الوصول إلى اتفاق مصالحة - إن تم - أمر إيجابي بلا شك و خطوة على الطريق، و لكنه باعتقادي ليس ضرورياً حتى نتحرك نحن (أي الشعب) إلى الأمام... على الحراك الشبابي و الفعاليات الشعبية أن تفيق من سباتها و أن تنتبه إلى أهداف الشعب الكلية، و إلى متطلبات الإصلاح، فتنهض للمطالبة بها، و تنتزعها من مكانها الخاطئ في ملف التفاوض الفصائلي، لتنقلها إلى مكانها الصحيح في ملف الإرادة الشعبية!

لست ألوم طرفي الانقسام أحدهما أو كلاهما لتأخر المصالحة، و لكني ألوم أنفسنا لأننا اختلطت علينا الأمور فتواكلنا على "المصالحة"، و تقاعسنا عن واجب "الإصلاح".

السبت، 19 نوفمبر 2011

ثلاثة أشهر في الفيسبوك! - الحلقة السادسة



الصورة في الأعلى هي جزء من قائمة تضم أقوى 70 شخصية في العالم، و ذلك بحسب التصنيف السنوي لمجلة فوربس Forbes الشهيرة.

سوف أحدثكم في هذه الحلقة عن الشخصية رقم 9 في القائمة: مارك زكربيرج، مؤسس و مدير شركة الفيسبوك، الشاب الذي احتل مكانه في هذه القائمة الملغومة و عمره لم يتجاوز 27 عاماً، و هو حامل لقب "شخصية العام 2010" بحسب تصنيف مجلة التايمز، و هو الذي يحتل الآن الترتيب رقم 14 في قائمة أثرى أثرياء أمريكا، و الذي تمكن من بناء ثروة تقدر بـ 17.5 مليار دولار خلال 7 سنوات فقط، و هو من حصل الفيلم الذي يروي قصته مع الفيسبوك على ثلاثة جوائز أوسكار في العام المنصرم.

كنت أعرف كل هذه المعلومات عن مارك قبل أن ألتحق بالعمل في الفيسبوك، و كنت أعتقد أن شخص في مثل هذه المؤهلات سيكون بطبيعة الحال بعيداً عن الأنظار، و بعيداً عن زحمة العمل و تفاصيله اليومية، و يكتفي بتفويض المهام لمدراء أكفاء، كما هو الحال مع أغلب الأثرياء. كنت أجزم حينها أن المصادفة وحدها هي التي قد تسمح لي برؤيته فضلاً عن الاستماع إليه.

*****

في اليوم الأول الذي باشرت فيه العمل و تعرفت على الفريق الذي سأعمل معه و المكان الذي سأجلس فيه، و بعد ساعة أو أكثر بقليل من بداية العمل، خطرت ببالي فكرة ... تذكرت الصفحة الداخلية في موقع الفيسبوك التي لا يراها إلا الموظفون و التي فيها خريطة تفصيلية لمباني الشركة و طوابق كل مبنى، و التي تتيح  للموظفين إمكانية البحث عن معلومات أي موظف، و مكان جلوسه، و برنامجه اليومي.

و كنت قد استخدمت هذه الصفحة لأجد مكان جلوسي قبلها بساعة كما حدثتكم في حلقة سابقة... الفكرة التي خطرت ببالي هي أن أقوم بالبحث من خلال تلك الصفحة عن اسم مارك زكربيرج لأتعرف أين يقع المبنى أو الجناح أو المكتب الفاره المخصص له... و بالفعل قمت بإجراء بحث فظهرت النتائج ... نظرت إلى النتائج مندهشاً ... أعدت البحث مرةً أخرى لأتأكد من صحة النتائج، فإذا النتيجة نفسها هي هي ... و إذا بدهشتي تتضاعف.

الخريطة التي ظهرت تقول أن مارك زكربيرج يجلس في نفس المبنى، في نفس الطابق، في نفس المربع، و على مسافة قصيرة من مكان جلوسي!!  وقفت فوراً و مشيت بسرعة بضعة خطوات في اتجاه المكان المشار إليه في الخريطة و إذا بي أفاجأ بمارك في وجهي مباشرةً!



ليس لمارك غرفة خاصة به منعزلة عن بقية الموظفين، و ليس له سكرتارية خاصة أو إدارة مكتب، بل يجلس على أحد المكاتب العشوائية في ذلك البهو المفتوح مثله مثل بقية الموظفين، الشيء الوحيد المميز أن غرفة الاجتماعات القريبة من مكتبه هو أكثر الموظفين استخداماً لها نظراً لكثرة زوار الشركة، و هذه الغرفة بالتحديد دوناً عن كل غرف الاجتماعات الأخرى ذات جدران زجاجية بالكامل، بحيث يرى كل الموظفين كل ضيوف مارك و ما يدور في كافة اجتماعاته.

و ليس هناك مكان خاص لسيارة مارك في مرآب السيارات، و لا سائق يعمل تحت إمرته، و ليس لديه سيارة فارهة من تلك التي يمتلكها الأثرياء، و يسكن بالقرب من المبنى الذي يعمل فيه 1601، و يفضل المشي إليه كلما أتيحت له الفرصة.



و كان مواظباً على العمل، و لا يتغيب عن الشركة إلا إذا كان مسافراً أو في إجازة معلنة، كنت أراه في كل يوم يأتي مبكراً و يباشر بنفسه متابعة تفاصيل العمل، و تراه كثيراً ما يتحدث مع الموظفين و يستشيرهم في أمور العمل، و في وقت الطعام تراه في الكافتيريا واقفاً في الطابور ينتظر دوره.

و يمتلك مارك شخصية قيادية قوية، و لديه قدرة على التحفيز و صناعة الأجواء و ريادة الأفكار، استنتجت هذا منذ يوم الترحيب الأول، فقد لمحت من كلمات المتحدثين في ذلك اليوم إعجابهم جميعاً بمارك، و تأثرهم بشخصيته، و تمحورهم حوله، و ترديدهم و تأييدهم لعباراته و آرائه.

ثم تعزز هذا الانطباع لدي عن مارك عندما علمت أنه هو بنفسه من صاغ قيم الشركة و نشرها على جدران المباني: "كن شجاعاً" و "تحرك بسرعة" ... إلى آخره من الشعارات التحفيزية التي كانت تملأ جدران الشركة.



و من أهم القيم التي يسعى مارك إلى تعزيزها في الشركة: الشفافية، و حق المعرفة للجميع، و توسيع دائرة الشورى. فعلى خلاف كل الشركات الكبرى التي تحكمها قوانين صارمة تضبط تداول المعلومات عن منتجات الشركة و مشاريعها بين الموظفين و بين الأقسام المختلفة، فقد كان مارك يشدد باستمرار على أن كل موظف في الشركة من حقه أن يطلع على كل تفاصيل و أسرار العمل في الشركة.

و استجابة لهذه الرغبة فقد كانت الشركة تعقد بين الحين و الآخر لقاءً يسمي "All Hands" يدعى إليه كل الموظفين و حتى المتدربين، و يتم إطلاعهم جميعاً على كل المشاريع و المنتجات التي تعكف الشركة في كل أقسامها على تطويرها و طرحها في السوق مستقبلاً.

و فوق هذا كان مارك  يعقد بنفسه اجتماعاً عاماً كل يوم جمعة من كل أسبوع و دون انقطاع، يُدعى إلى هذا الاجتماع كل موظفي و متدربي الشركة الذين يراوح عددهم الثلاثة آلاف. في الجزء الأول من الاجتماع كان مارك يضع الجميع في صورة التطورات و الانجازات التي تمت خلال الأسبوع. في الجزء الثاني كان يفتح المجال للتعليقات و الأسئلة و الاقتراحات. و كان يحث الموظفين بشدة و بإلحاح على أن يسألوه أسئلة صعبة و محرجة، و أن يختلفوا معه في الرأي و ينتقدوا قراراته... و كان يتيح المجال كذلك لأسئلة مكتوبة على أوراق لمن لديه سؤال و لا يرغب بكشف شخصيته.

و خلال هذه الاجتماعات لم يكن يحتكر الكلام لنفسه، أو يدعي أنه قادر على الإجابة عن كل سؤال، بل كان كثيراً ما يتيح المجال للإجابة على السؤال لمدير القسم المختص أو الموظف المباشر المسؤول عن النقطة موضوع السؤال.


*****

في أحد الأيام في منتصف شهر يوليو أرسل مارك رسالة إلكترونية إلى كافة الموظفين، دعاهم فيها إلى اجتماع عاجل في منتصف بهو الطابق الثاني، تحت عبارة "Lock Down" المعلقة على حائط غرفة الاجتماعات القريبة من مكتبه، و بالفعل قمت و زملائي في الفريق و كافة الموظفين بالتحرك فوراً، و تجمع الجميع في المكان المحدد.

وقف مارك في منتصف الموظفين، و بدأ يتكلم بكلمات حماسية و تحفيزية، و صنع جواً نفسياً جياشاً هيأ فيه الموظفين إلى مضاعفة الجهد، و بذل الوسع، استعداداً لاكمال اللمسات الأخيرة على التعديلات و الخصائص الكثيرة التي أعلن عنها بنفسه في مؤتمر صحفي نهاية شهر سبمتمبر الماضي كخاصية خط الزمن Timeline و الشبكة المفتوحة Open Graph 2....

شخصية كارزمية قوية...  لديه قدرة على صنع الأجواء و شحذ الهمم.



في الوقت الذي كنت أعمل فيه في الفيسبوك قام مارك بشراء بيت جديد في مدينة Menlo Park الملاصقة لمدينة Palo Alto، و بيته الجديد بجوار المقر الجديد للشركة في المباني التي تم شراؤها من شركة Sun Microsystems و انتقلت إليها أغلب فرق العمل خلال الأشهر القليلة الماضية. 

و بهذه المناسبة وجه مارك دعوة إلى الطلبة المتدربين أمثالي لزيارته في بيته الجديد، و لم يتخلف عن تلبية الدعوة أحد.

كان اللقاء في حديقة المنزل، و هي حديقة صغيرة و متواضعة إلى حدٍ ما، فيها حمام سباحة متوسط الحجم، و شجرة نخل عالية و ورود و شجيرات متفرقة.  و أُعِد للضيوف بوفيه مفتوح فيه أطعمة مختلفة و مشروبات متنوعة.

في منتصف الزيارة تقريباً وقفت منفرداً بجانب المسبح و كنت أشرب مشروباً بارداً، فتقدم مارك نحوي، و ألقى علي التحية و صافحني و سألني عن اسمي و من أين أتيت و عن طبيعة عملي في الشركة، و أبدى اهتماماً بأنني فلسطيني الأصل.  ثم هنأته بالبيت الجديد فأخبرني أنه اختار هذا البيت لقربه من مقر الشركة الجديد، و قال ممازحاً أنه بيت متواضع بجانب بيوت أصحاب المليارات.

ثم سألني عن الأمور التي أعتقد أن أداء الشركة يحتاج فيها إلى تحسين أو تطوير، و هنا تجمع عدد من المدعوين الآخرين و تحولقوا حوله و دار نقاش شارك فيه الجميع حول نقاط الضعف، و طُرِحَت أفكار لمعالجتها و النهوض بالشركة. كان مارك يستمع للاقترحات باهتمام، و يرحب بالأفكار الجديدة، و يناقشها بجدية و حماسة.

****

ليس الهدف من هذه الحلقة هو كيل المدائح لمارك أو تنصيبه قدوة مطلقة بأي حال ... الذي أردت أن أقوله أن النجاح الباهر الذي حققه مارك على الصعيد المهني (بغض النظر عن جوانب حياته الأخرى)  لم يأت من فراغ، و إنما هو نتيجة ذوبان في العمل، و نشاط، و جد، و اجتهاد، و مثابرة، و حسن إدارة، و تفكير إبداعي، و مهارات في القيادة و إدارة الذات.  تذكروا جيداً أنه أسس الشركة و عمره لم يتجاوز حينها 20 عاماً!!  و الحكمة ضالة المؤمن.

****

في الحلقة القادمة -و الأخيرة- سوف أعرج على بعض الجوانب التقنية و الفنية المتعلقة بموقع الفيسبوك، الحلقة قد تكون جذابة بشكل خاص للمطورين و المتخصصين، و لكنها ستكون مفيدة و فيها معلومات مثيرة و مدهشة للجميع.

سوف أحدثكم عن الجزء الخفي من موقع الفيسبوك!  و عن غرف الحرب (War rooms) التي تتشكل داخل الشركة و علاقة ذلك بالموقع، و سوف أحدثكم عن أسلوب الإدارة البرمجية للموقع، و عن آليات و ضوابط اتخاذ القرارات المتعلقة بالمحتوى و الخصائص الجديدة، و غيرها الكثير من المعلومات المفيدة و المثيرة!

إلى لقاء قريب ... إن شاء الله.

الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

ثلاثة أشهر في الفيسبوك! - الحلقة الخامسة






أكتب مقدمة هذه الحلقة  و أنا أجلس على ارتفاع 33 ألف قدم فوق سطح الأرض، في المقعد رقم 31C على متن طائرة البوينج التابعة لشركة دلتا كبرى شركات الطيران في العالم، و المتجهة من مطار سياتل في ولاية واشنطن نحو مطار ديترويت في ولاية ميشيجان. و لهذه الرحلة قصة أخرى قد أقصها عليكم في وقت لاحق إن شاء الله.  

أما الآن فدعونا نعود إلى الأرض، إلى ولاية كاليفورنيا، إلى عمق وادي السيليكون، و بالتحديد إلى قبو شركة فيسبوك حيث توقفنا في الحلقة الماضية عند مشهد مُثير و غريب و مُريب.

إذ لما دخلت باب القبو، و بعد أن قطعت الممر القصير ووصلت إلى الردهة الرئيسية، وجدت علماً ضخماً يشبه العلم المصري بالضبط، باستثناء أن النسر المعروف قد استبدل بصقر، و كُتب تحت الصقر بحروفٍ عربيةٍ واضحةٍ و كبيرة : "اتحاد الجمهوريات العربية" هكذا مرةً واحدة.





أذهلني هذا المشهد، و انتصبت في مكاني كأنني نخلة لعدة ثواني، و مرت في رأسي ألف فكرة و مليون تساؤل. إلا أن الفكرة التي سيطرت عليًّ معظم تلك اللحظات القصيرة هي أن الأقدار قد قادتني إلى اكتشاف غرفة سرية يتم من خلالها إدارة أو توجيه الثورات العربية بطريقةٍ أو بأخرى!

و لكن التناقض الواضح بين المشهد الذي أراه و بين الحال الذي أتوقعه لو سلمت بأن هناك توجيه أو إدارة للثورات أوقعني في حيرة لا حدود لها. ذلك أن العلم يحمل بوضوح شعار الوحدة العربية التي هي حلم كل عربي غيور، و لم أكن أبداً أتوقع أن شركة أمريكية صاعدة كالفيسبوك قد تكون جعلت هذه الوحدة من أهدافها وخصصت لها مكاناً سرياً و جندت لها موظفين!

هل الوحدة العربية أصبحت شيئاً سيئاً فتبنوه هم؟؟ أم دبت فيهم هم نخوة عروبية فأصبحت هي (أي الوحدة العربية) من أهدافهم؟؟ لا هذه ممكنة و لا تلك معقولة!

لم أحتمل البقاء في المكان، و خشيت أن يأتيَ أحدٌ فيضبطني في مكانٍ لا ينبغي لي التواجد فيه...

تلفتت حولي بسرعة باحثاً عن مخرج، فوجدت سلماً يقود إلى الطابق الأول.  صعدت السلم بسرعة و قطعت عدة ممرات دون وعي، حتى وجدت نفسي في النهاية أمام باب الكافتيريا التي اعتدت تناول الطعام فيها. و وجدت طريقي من هناك إلى مكان عملي. 



مكثت بعدها عدة أيام و الحيرة تلفني و الشكوك تكاد تقتلني، و تنتابني رغبة جامحة في إيجاد تفسير لذلك المشهد....

 في منتصف اليوم الرابع بعد تلك الحادثة قررت مغادرة المبنى، و الالتفاف وراءه و الدخول من ذلك الباب الذي يؤدي مباشرة إلى القبو.

لما وصلت ذلك الباب وجدت هذه المرة أحد رجال الأمن يقف لحراسة الباب (كما هو الحال مع كل أبواب الشركة الأخرى)، ألقيت التحية على الحارس لأختبر إن كان سيمنعني من الدخول أم لا..

 فلما  لم يعترض،  قمت بتمرير بطاقتي الممغنطة فانفتح الباب فوراً، دخلت و قطعت الممر ووصلت إلى الردهة فوجدت العلم على حاله معلقاً كما كان...  إلا أن المكان كان هذه المرة يعج بالأشخاص...

 أول شخص قابلته في وجهي، و كان يقف تحت العلم مباشرةً كان شاباً عربياً من لبنان!

قبل أن أسأله عن أي شيء آخر سارعت بسؤاله عن العلم الذي فوق رأسي و رأسه، و إن كان يعرف شيئاً عنه و ما الذي جاء به إلى هنا. فكأنه عرف ما في نفسي و ما دار فيها من ظنون، فأخبرني مبتسماً أن الموظف الذي يجلس أمامه مباشرة مصري، و أنه لما انطلقت الثورة المصرية التهبت حماسته فبادر و أحضر هذا العلم و قام بتعليقه،  و بطبيعة الحال فإن الشركة تحرص على أن يشعر الموظف و كأنه في بيته فلا يتدخل أحد فيما يضعه الموظف أو يعلقه فوق أو بجوار مكتبه.

فهمت بعد ذلك أن ذلك الجزء من المبنى مخصص لفريق التدويل (Internationalization team) المختص بتطوير خصائص الموقع التي تضمن إمكانية عرض الموقع بلغات مختلفة من كافة دول العالم، مع مراعاة احتياجات كل لغة كاتجاه الكتابة و ترميز الحروف و محاذاة النصوص و غيرها من التفصيلات الدقيقة و المعقدة!


و بالتالي فإن وجود أعلام للدول في ذلك المكان ليس غريباً و لا شاذاً وفقاً لطبيعة العمل الذي يؤديه الموظفون هناك.


أما بعد...


حتى الآن لم أحدثكم عن مارك زكربيرج مؤسس و مدير الشركة، ذلك الشاب الأعجوبة، أصغر أغنياء العالم سناً.


سأحدثكم في المرة القادمة عن مارك، و عن الجوانب المدهشة في شخصيته التي أراها سبباً مباشراً يقف وراء نجاحه الباهر في حياته المهنية برغم حداثة سنه و قلة خبرته.


سأحدثكم كذلك عن اللقاء الذي جمعني بمارك في حديقة منزله عندما لبيت دعوته لزيارة بيته الجديد يوم الأربعاء في مدينة منلوبارك.








تنويه و تنصل: أنا هنا أروي تجربتي في الفيسبوك على شكل حكايات مضاف إليها حبكة درامية و مقطعة على حلقات بهدف التشويق و الامتاع. و لا يحق لأحد أن يقوم  بتحويل أي شيء أكتبه هنا إلى أخبار صحفية، أو كتابة أي خبر صحفي بناءً على  هذه الحلقات،  و لا يحق لأحد أن يعيد نشر الحلقات في أي وسيلة إعلامية أو موقع إلكتروني آخر دون إذن صريح وواضح و مباشر مني و قبل إطلاعي على محتوى ما سيتم نشره.