الثلاثاء، 17 يوليو 2012

لو كان أمر كهرباء غزة بيدي!


-  لو كان الأمر بيدي لاتخذت قراراً فوريا بتشكيل لجنة طوارئ تضم ممثلين عن سلطة الطاقة و شركة الكهرباء و الحكومة و المجلس التشريعي و مؤسسات المجتمع المدني (نقابات، مؤسسات أكاديمية ،...إلخ)، و لأمرت هذه اللجنة بأن تظل دائمة الانعقاد و تلتقي يومياً لتتابع الأزمة، و لفرضت عليها أن تخرج ببيان أسبوعي للرأي العام تنشره عبر وسائل الإعلام توضح فيه تطورات الأزمة بكامل الشفافية و الوضوح.

- لو كان الأمر بيدي لوضعت خطة مفصلة واضحة، تتضمن كل أسباب الأزمة و الخطوات العملية المفصلة لمعالجة كل سبب، و تقدير التكلفة المتوقعة لتنفيذ كل مشروع، و مصادر التمويل الممكنة لكل منها، و لقمت بإرسال هذه الخطة إلى الإعلام، و لنشرتها على صفحة خاصة على الإنترنت ليراها كل الناس و يتابعوها معي.

شكل توضيحي يفرب صورة الخطة التي أفكر بها و أتمنى أن أراها .. لو كان الأمر بيدي!


- لو كان الأمر بيدي لأنشأت موقعاً على الإنترنت مخصصاً لأزمة الكهرباء، و لوضعت عليه كل المعلومات المتعلقة بالأزمة بالتفصيل الممل و بأسلوب واضح و تفاعلي و بالأرقام و الأشكال البيانية و الخرائط، و لأمرت بتحديث هذا الموقع يومياً ليتم إطلاع المواطنين على الأزمة و تطوراتها أولاً بأول، و لوضعت مواداً تثقيفية على الموقع تشرح للناس كل الخلفيات الفنية و التاريخية و السياسية للأزمة، و لوضعت مواد تفصيلية تثقف المواطنين حول وسائل خفض و ترشيد استهلاك الطاقة.

- لو كان الأمر بيدي لشكلت فريقاً للتواصل مع الجمهور من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، يزودهم بالأخبار أولاً بأول و يستمع لآرائهم و شكاواهم و اقتراحاتهم.

- لو كان الأمر بيدي لأصدرت قراراً فورياً بمنع بيع مصابيح الإنارة عالية السحب كما هو معمول به في مناطق متعددة من العالم، و لأمرت بسحب ما هو موجود منها في الأسواق على حساب الحكومة، و لسمحت للمحلات التجارية ببيع فقط مصابيح الإنارة التي لا يزيد سحبها عن 40 وات كحد أقصى، و لا استثناء إلا بمعاملة رسمية و أسباب مقنعة و موافقة خطية، على أن يتم الشراء من مخازن خاصة بسلطة الطاقة أو محلات مراقبة منها لحالات الاستثناء هذه.

- لو كان الأمر بيدي لأعددت مقترحاً مفصلاً لمشروع ممول لاستبدال كل وسائل الإنارة عالية السحب في المؤسسات الحكومية و المدارس و الجامعات و المستشفيات بوسائل إنارة منخفضة السحب، و ربما من ذلك النوع المصحوب بمجسات حركة، و لأرسلت هذا المقترح إلى 10 مؤسسات مانحة، و لثابرت و لما توقفت حتى أجد لهذا المشروع تمويلاً و لو من تبرعات المواطنين.

- لو كان الأمر بيدي لأجريت دراسة مفصلة لمشروع يتم بموجبه استقلال المؤسسات الكبرى في قطاع غزة كالجامعات و الوزارات و الشركات الكبيرة و المصانع عالية السحب و الأبراج السكنية المرتفعة (حوالي 400 منشأة مثلاً) بمولدات مستقلة و فصلهم عن الشبكة الرئيسية، و لفاوضتهم على تعويضهم عن ما سيلحقهم من خسائر نتيجة شراء الوقود و صيانة المولدات بدلاً من سحب الكهرباء من الشبكة الرئيسية..... و لو كان الأمر بيدي لفعلت ما تفعله بعض المناطق في العالم و لطلبت من هذه المنشآت المستقلة بمولداتها أن تغذي فائض استهلاكها من الكهرباء للشبكة الرئيسية، و لدفعت لهم ثمن هذه الكهرباء.

- لو كان الأمر بيدي لأجريت دراسة مفصلة لمشروع يتم بموجبه فرض حد أقصى على استهلاك الطاقة لكل منشأة، على أن يتناسب هذا الحد مع مساحة المنشأة و ارتفاعها، و لأعلنت أن أي استهلاك في حدود الحد المسموح سيكون بنفس التكلفة العادية لكيلو الكهرباء، و كل كيلو زيادة على ذلك يتم دفع ثمنه ثلاثة أو خمسة أضعاف. 

- و لو كان الأمر بيدي لأتبعت هذا القرار بتعليم الناس كيف يمكنهم أن يقرأوا عدداتهم و يحسبوا مقدار استهلاكهم ليتأكدوا من مقادير سحبهم، و لأنشأت موقعاً خاصاً على الإنترنت يمكن للمواطن من خلاله أن يرى آخر قراءة لعداده، و الحد الأقصى الذي يجب عليه أن لا يتجاوزه قبل تاريخ القراءة القادمة.

شكل توضحي يقرب فكرة الصفحة التي تعرض معلومات الاستهلاك و التي أتمنى أن أنفذها ... لو كان الأمر بيدي!

- لو كان الأمر بيدي لاتخذت قراراً فورياً بسحب (أو تعطيل مؤقت لعمل) كل أجزة التكييف في المؤسسات الحكومية و المساجد، و لأمرت الجميع بالاكتفاء بالمراوح العادية في الحدود الدنيا.

- لو كان الأمر بيدي لترأست فريقاً يفاوض أصحاب مشاغل الخياطة و أصحاب المصانع و ما شابهها من المنشآت و لاقترحت عليهم العمل خلال الليل لتجنب سحب مقادير عالية من الطاقة في أوقات الذورة في النهار مقابل خصومات مغرية في فواتير الكهرباء.

- لو كان الأمر بيدي لأمرت الجهات المعنية بفصل الإنارة عن كل امتدادات الشوارع، و الاكتفاء فقط بإنارة المفترقات كما هو معمول به في الكثير من دول العالم.

لو كان الأمر بيدي لما جلست واضعاً يدي على خدى منتظراً شفقة الجلاد، و لا منتظراً شفقة من ماتت في نفوسهم الرحمة و الشفقة من مجرمي الساسة الذين يحاصرون الشعب و يريدون ابتزازه و كسر إرادته و صموده.

- لو كان الأمر بيدي لما جعلت استراتيجيتي الوحيدة لمعالجة المشكلة هو السعي إلى الحل الجذري السحري الذي مازلت أنتظره منذ 6 سنوات و تحول دونه معوقات مهولة تفوق طاقتي.

- لو كان الأمر بيدي لعددت استراتيجياتي و نوعت أساليبي، و لما جعلت العجز عن إيجاد حل جذري يحول بيني و بين التفكير في حلول جزئية استدراكية طارئة.

- لو كان الأمر بيدي لتوقفت عن كثير مما أقوم به من جهد للتبرير و لوم الظروف و مطالبة الناس بالصمود... و لوفرت الوقت المستهلك في هذا كله  لإعمال العقل، و تحفيز التفكير، و السعي لإيجاد حلول إبداعية عملية تتحدى الحصار و تتحدى كل من يحاول كسر إرادة الشعب الفلسطيني لأهداف سياسية .... 

- لو كان الأمر بيدي و جاءني مقال كهذا المقال لتلقفته بكل سرور، و لقرأته ثلاث مرات، و لدرست محتواه بجدية، و لصوبت ما فيه من أخطاء و أنضجت ما فيه من أفكار، و لأضفت إليه أفكاراً جديدة،  و لطالبت كل صاحب رأي أو فكرة أو تخصص بإمدادي بما لديه من نصائح و أفكار و آراء مهما كانت بسيطة.

و على الله وحده التكلان.

الخميس، 12 يوليو 2012

سر فيتامين "واو"



احتاج أحد أصدقائي إلى استصدار جواز سفر لاستعماله في سفر طارئ عاجل فذهب إلى شباك تقديم الطلبات فقيل له ليس أمامك سوى الانتظار أسبوعين كما يقتضي النظام المعمول به، فأصابه الإحباط و عاد أدراجه مطرقاً حسيراً و سار هائماً على وجهه حتى لقيه قريب له و قال له بعد أن سمع شكواه: يا عزيزي (شغلتك بسيطة)  خذ هذا الرقم و كلم معالي سيادته و قل له (بيسلم عليك أبو فلان)....  جرب صاحبي الوصفة فوراً ... فكان على متن الطائرة في اليوم التالي!

أما صديقي الآخر فقد طلب منه موظف في إحدى الوزارات أن يرفق شهادة صحية تثبت حالته الخاصة مع طلب الوظيفة التي يريد التقدم إليها، فلما ذهب إلى الطبيب طالباً الشهادة رفض الطبيب و تعذر بخوفه لأن وزارة الصحة قد فرضت رقابة صارمة و تدقيق شديد على إصدار مثل هذه الشهادات، فتنقل بين ثلاثة أطباء آخرين سعياً وراء الشهادة فجاءه نفس الرد من جميعهم، فلما أصابه اليأس، شكى همه لجاره، فناوله عنوان منزل سكرتير معاليه...  فذهب إليه صاحبي و بلَّغه "سلامات" الجار .... فصدرت الشهادة في أول ساعة من نهار اليوم التالي!

و لي صديق ثالث، و رابع، و خامس، و سادس ... كلهم وقعوا في حرج مشابه فلم ينقذهم إلا فيتامين "واو":  الواسطة!

لست مختلفاً مع من يقول أن الواسطة هي مرض ثقافي اجتماعي، و لست مختلفاً مع الرأي بأن غياب الضمير و ندرة الأمانة عامل مساعد على انتشار هذه الآفة، و لكني اليوم بصدد تسليط الضوء على سبب آخر أعتقد أنه يغيب كثيراً عن الأذهان عند تناول ظاهرة الواسطة.

الفكرة باختصار هي أن الناس لا يلجأون إلى الواسطة في الغالب من باب الترف، و إنما يلجأون إليها لأن هناك حوائج ملحة لديهم تقف الأنظمة الإدارية و اللوائح حائلاً دون تحقيقها فلا يجد المواطن أمامه إلا البحث عن أي وسيلة لتحقيق حاجته.

إذا رأيت أن هناك حاجة ملحة متكررة لدى المواطنين لا يجدون لتصريفها و قضائها إلا الواسطة فاعلم أن المشكلة هي في النظام الإداري إذ أنه قد فشل في توفير وسيلة إدارية قانونية مباشرة تلبي حاجة الناس المتكررة.

آتي بمثال: الحاجة إلى السفر بشكل طارئ و عاجل أمر يتكرر كثيراً في حياة الناس، و تفرضه عليهم ظروف قهرية في العادة، فلو كان النظام الإداري يسمح ضمن لوائحه باستصدار جواز سفر مستعجل عن طريق تقديم طلب خاص برسوم أعلى عن رسوم الطلب العادي ربما مع الحاجة إلى تبرير سبب الاستعجال لوجد المستعجل في هذا الباب الإداري مدخلاً قانونياً مريحاً يمكنه أن ينفذ منه إلى تحقيق حاجته بشكل منظم و قانوني و شفاف دون الحاجة إلى اللف و الدوران. 

و قد يقول قائل: رسوم إضافية للطلب المستعجل أو المتأخر؟ لن يرضى بذلك أحد!  و ردي على ذلك أن اقفال الباب الرسمي في وجوه الناس ثم ترك الأبواب الخلفية مشرعة يفتح المجال واسعاً أمام الرشوى، و لا تعجب إن وجدت حينها المواطن الذي تخاف عليه من دفع رسوم إضافية مستعداً لدفع رشوى بل رشاوي ليصل إلى حاجته عند الاضطرار!

أقول هذه الكلمات لأنني وقفت على حالات متكررة وأمثلة متعددة أجد الناس فيها يقعون في حرج تحت ضغط حاجات ملحة فيصطدمون بنظام إداري يتشدد و يبالغ في التشدد في القنوات الرسمية ثم يستاهل و يفتح الباب على الغارب - كما يقولون - للقنوات الخلفية.

الخلاصة إذن: كلما وجدت حاجة ملحة يتكرر احتياج الناس إليها ولا يكون هناك منفذ إداري قانوني ينظمها فاعلم أن النظام الإداري فيه ثغرة أو خلل، إما على شكل بيروقراطية ممجوجة أو تشدد مبالغ فيه لا يوجد معه قانون يضبط الاستثناءات و يلبيها.


خواطر على طريق النهضة: 3- هل يقف؟

هذه الخاطرة الثالثة من مجموعة خواطر نثرية أدبية كتبتها منذ 6 أعوام تحكي قصة رمزية لأحد صناع الحياة جلس دهراً طويلاً في بيت السلبية و النكوص، و بعد أن التذع قلبه لحال وطنه و أمته قرر أن ينهض و ينتفض و يخرج من سلبيته إلى طريق الإيجابية و صناعة الحياة و النهضة. 

الخاطرة الأولى كانت بعنوان "المفتاح"  و رسالتها الأساسية أن أول خطوة في طريق العمل لأجل نهضة الأوطان هي عقد نية خالصة لا تخالطها مصالح شخصية أو مطامع دنيوية أو حظوظ نفس.

الخاطرة الثانية كانت بعنوان "غذ روحك .. و اكتمل" و رسالتها أن العمل لأجل النهضة يحتاج إلى زاد و تكوين إيماني و علمي و مهاري و جسماني متكامل.

الحلقة الثالثة: هل يقف؟




المفتاح رهن القبضة... الزاد يملاً الجراب... قدم صانع الحياة الواثق على أول الطريق... نفسه تلتهب شوقاً للنهضة.... و روحه تتوق إلى طريق المعالي...  

هاهو يسرج خيل همته ... و يمتطى صهوة عزيمته ... و يأخذ بزمام إرادته ... ينبؤنا عن حاله المشبوب صانع نيسابور "مسلم" صاحب الصحيح ... فيما يرويه عن إمام الصانعين -صلى الله عليه و سلم- : 

( من خير معاش الناس رجلٌ : آخذٌ بعنان فرسه ، يطير على متنه ، كلما سمع هيعة أو فزعة طار إليها)


صيحات الأوطان تئن... صرخات المستضعفين يستغيثون... نداءات المخلصين يستصرخون ... أصواتٌ ملأت سمع الصانع و قلبه ... فطار و روحه على كفه .. طار و قد وهب لله نفسه... طار و هو يستذكر تلك الكلمات الخالدة التي سطرها ابن الجوزي في "المدهش" يوم أن قال :  ( أول قدم في الطريق : بذل الروح ... هذه الجادة ، فأين السالك ؟ )  أجاب صانع الحياة: أنا لها ...أنا السالك!

إذا القوم قالوا مَن فتًى خِلت أني  *** عُنيتُ فلم أكسل و لم أتبلد

إنها معادلة العطاء و الفناء... يفهمها الصانع و يحفظها عن ظهر قلب ... فطريق النهضة طريق البذل ... طريق عطاءٍ بلا أخذ .... طريق إنفاق النفس ...و انفاق ما بعد النفس ! ... ( طريق نصب فيه آدم ، و ناح لأجله نوح ، و ألقي في النار إبراهيم ، و بيع يوسف بثمن بخس ، و نشر بالمناشير زكريا، و ذبح الحصور يحيي ، و ضني بالبلاء أيوب ، و عالج الفقر محمد ...) 
إنها معادلة الفناء و التلف في الدنيا ... ثم الكرامة و الشرف في الآخرة ... معادلة :

أجدر الناس بالكرامة عبدٌ *** تلفت نفسه ليسلم دينه 

حياة صانع الحياة باتت وقفاً على أمته... و أيامه غدت نذراً لنهضتها و رفعتها و تقدمها... فلأمته ترخص الروح ... و تهون النفس ...و تقدم ثواني العمر قرابين ... 

بهذا الإقدام الهاجم ... و بهذه الهمة العلية ... و بتلك النفس الأبية ... انطلق الصانع ... و خطا خطواته نحو النهضة ...
و قبل أن يجاوز صانعنا الباب، و يوغل في الطريق، ترك لمن بعده من أجيال الصانعين اللاحقين وصيتان و إعلان خطهم بمداد من عرق على صحائف من نور و علقهم جميعاً على الباب:

الوصية الأولى: 

العـهد أولـه اتبــاعٌ صــــــــــــادقٌ *** و عليه بالإخلاص خير وشــــــــاح
هذا هو المفتاح فـــاعرف ســـــره *** و ابدأ دروب الشوق بالمفتــــــــــاح

الوصية الثانية: 

كن رابط الجأش و ارفع راية الأمل **** و سر إلى الله في جدٍ بلا هزل
و إن شعرت بنقصٍ فيك تعرفـــــــه **** فغـذ روحك بالقرآن و اكتمــل

أما الإعلان فمفاده: 

يعلن صانع الحياة لإخوانه من بعده أنه: 

بدأ المسير إلى الهدف *** و الحر في عزمٍ زحف 

و الحر إن بدأ المسير *** فلــن يكـل و لـن يقـــف 


لا .. لن يقف 



و إلى لقاء قادم مع الحلقة الرابعة بعنوان: ارفع راية