الأحد، 23 فبراير 2014

علمتني الحياة 13: مدرسة الموت

علمتني "الحياة" أن أتعظ "بالموت"!

في الأيام القليلة الماضية وعظتني ثلاثة أخبار صادمة عن وفاة ثلاثة أشخاص أعرفهم، أحدهم عشريني، و الثاني ثلاثيني، و الثالث أربعيني، و ثلاثتهم ماتوا فجأة، في ظروف مختلفة، و في ثلاث دول متفرقة، في لحظة كانوا فيها في صحة و عافية و يملأون الأرض نشاطأ و حركة!

ما أفصح و ما أبلغ موت الفجأة حين يقذف مواعظه في قلوب الغافلين أمثالي ... يذكرني بحقيقتين مهولتين: أنني ميتٌ لا محالة ... و أن الموت سوف يطرق بابي في أي وقت و تحت أي ظرف فيخطف روحي، و يقطع آمالي، و يختم أعمالي، و يقيم قيامتي، و يضع النقطة الأخيرة في صحائفي التي سألقى بها ربي!

ما أصعب مجرد تخيل ذلك اليوم حين لن يجد أصحابي من وسيلة لإكرامي إلا التعجيل في دفني، و حين يتنافسون على حمل نعشي يركضون بي سريعاً نحو لحدي، و حين يلتمس الواحد منهم الأجر بيدٍ يمدها ليشارك في إهالة التراب علي جسدي، و حين يذهبون لأبقى وحدي أواجه مصيري البائس إن لم تتغمدني رحمة ربي!

أسأل الله حسن الخاتمة و حسن المآل.

ما أنت إلا كزرع عـنـد خُضرتـــه **** بكلِ شيء من الآفات مقصودُ
فإن سَلِمتَ من الآفات أجمعها **** فأنت عند كمال الأمر محصودُ!

علمتني الحياة 12: مراجعة النفس

علمتني الحياة أن أعيد النظر فيما أتبناه من مواقف و ما أحمله من أفكار و ما أعتنقه من مبادئ بشكل دوري ...
فمثل هذه المراجعات قد كشفت لي في مرات متعددة أن استغراقي في فروع ما انطلقت منه من آراء و مبادئ قد ألهاني أحياناً بضيق الفرع عن سعة الأصل، أو شغلني بالتمادي فيما هو مهم من تلك الفروع عن ما هو أهم ...

كما كشفت لي أن توغلي العميق في مسارات أفكار تبنيتها يوماً ما قد حرمني في كثير من الأحيان فرصة الاطلاع على ما هنالك من أفكار أخرى قد تكون أجود و أفضل ... 

و أسوأ من هذا حالات غلبتني فيها ربقة التعصب لفكرة ما، أو غمرتني كثافة الترداد لنفس الفكرة في بيئة ملاصقة تحيط بي من كل جانب، فتحولت مع الوقت إلى محامٍ بارع ... آتي بالحجج القوية، و البراهين المنطقية، و الأدلة الذكية، للدفاع عن فكرة رديئة هنالك ما هو أرجح منها في ميزان التفضيل ... أو فكرة خاطئة نحتت من عمري، و سرقت من جهدي ما لا أملك تعويضه الآن ...

و حتى تلك الحالات التي لم تقدني فيها المراجعة إلى اكتشاف خلل، فقد وجدت أن مجرد مراجعة ما هو صواب هي بمثابة محطة تزود بوقود الهمة و زاد الثبات و فيتامين الإصرار على مواصلة العمل و التوغل العميق في دروب الخير ... على بصيرة.

السبت، 22 فبراير 2014

علمتني الحياة 11: حقيقة التوفيق الرباني

علمتني الحياة أن التوفيق الرباني ليس مجرد مسألة من مسائل الغيب التي يصدقها المؤمن حين تسكن حقيقة الإيمان في قلبه، و إنما هي كذلك مسألة حسية يمكن أن يلمسها و أن يراها من يدقق النظر و يراقب، و من يحرص على محاسبة نفسه و البحث عن الأسباب الكاملة التي تقف وراء نجاحاته و إخفاقاته.

فكم مرة كنت عند ميكانيكي السيارات - مثلاً- أنتظر إصلاح سيارتي و أنا أتذكر ذلك الذنب الذي اقترفته في اليوم الماضي فكانت النتيجة أن تعطل ترس فتح و إغلاق الشباك، أو تسرب على إثره سائل المقود، أو انثقبت أنبوبة العادم!

و كم مرة تذكرت فيها ما قدمته من حسنة بين يدي عمل تكلل بالنجاح كان هناك من الأسباب المادية ما يجعل هذا النجاح صعباً إن لم يكن شبه مستحيل أو مستحيل!

كنت أظن قديماً أن التفسير لهذا الاقتران بين الحسنة و النجاح أو السيئة و الإخفاق هو أن أعمال الإيمان الحسية هي بحد ذاتها ضابطة و مهذبة لسلوك الإنسان بحيث تجعل أداءه في المهمة التي هو بصددها أفضل فيكون التوفيق ... كأطره مثلاً على تنظيم وقته بحسب أوقات الصلاة فيتعاظم إنجازه، أو دفعه إلى الاتقان المأمور به في الحديث الصحيح.

و لكني بعد طول تأملٍ و مراقبة وجدت أن الأمر أبعد من ذلك، و أن أعمال الإيمان بالإضافة إلى أثرها الحسي هذا، لها أثر أقوى و أشد يتجاوز الحسيات، و يكسر جدران الأسباب، و يخترق حواجز المألوفات فترى العين ما قد تفشل الأرقام في حسابه!

علمتني الحياة 10: ما هو أهم من الأفكار!

علمتني الحياة أن إدارة الأفكار أهم من الأفكار ذاتها!

الأفكار اللامعة ذات الأهداف النبيلة تملأ الأرض بمئات الألوف أو بالملايين أو حتى بالبلايين! تجد هذه الأفكار في بطون الكتب، و منشورات و توصيات المؤتمرات، و الحوارات المتلفزة و المسموعة، و رسائل البريد الإلكتروني، و مدونات أصحاب الرأي، و شبكات التواصل الاجتماعي، و المرئيات أو المسموعات المدرجة على مواقع الإعلام الجديد، و في كل مكان ... 

أزعم أننا لسنا بحاجة إلى توليد المزيد من الأفكار بقدر ما نحن بحاجة إلى إنزال ما هو هنالك من أفكار نبيلة إلى حيز التنفيذ ...

و لكن الفكرة مهما بلغت عبقريتها، أو اشتدت حاجة الناس إليها، أو تعاظم إيمان حامليها بها، أو تكاثرت أعداد المتحمسين لها ... لا يمكن لها أن تتحول إلى واقع إلا إذا تواجد كيان إداري منظم يتولى بلورة الفكرة و ترجمتها إلى حقيقة ماثلة على الأرض .... قد يكون هذا الكيان مؤسسة أو لجنة أو شركة أو مجموعة ضغط أو فريق إلكتروني أو أي وعاء إداري "مناسب".

ليس بالضرورة أن ينشأ هذا الكيان منذ اللحظة الأولى لبزوغ شمس الفكرة في قلب من يحملها، و لكن إذا لم ينته أصحاب الفكرة إلى إيجاد هذا الكيان تتحول الفكرة إلى حلم أو أمنيات أو وهم.

تجارب متعددة مررت بها: كانت الفكرة رائعة، و الحاجة لها ماسة، و البيئة مهيأة، و الجميع متحمس، و الكل مستعد ... غابت الإدارة ... ضعفت الهمة ... دُفنت الفكرة!

علمتني الحياة 9: أكبر خدعة!

علمتني الحياة أن أسهل عمليات الخداع و أكثرها انتشاراً و رواجاً و تكراراً و نجاحاً في هذا العالم هي خداع النفس!

فما أكثر أولئك الخبراء في اختراع حيل نفسية بارعة يحتالون بها على أنفسهم لتبرير فشلهم، أو تسويغ انحرافاتهم، أو شرعنة جرائمهم!

ما أكثر أولئك الخبراء في إقناع أنفسهم بـأن أخطاءهم و سقطاتهم معلقة هناك على شماعات الآخرين، و هم منها أبرياء براءة الذئب من دم يوسف! 

ما أكثر أصابع الاتهام الموجهة بثقة عالية نحو "الظروف القاهرة"! و ما أكثر و ما أطول و ما أفصح لوائح الإدانة التي كتبت في حق "الأسباب الخارجة عن الإرادة"!

ما أكثر أولئك الذين أصبحوا أكاذيب حية تمشي على الأرض ... لا يملون من سرد حكايات مبهرة عن بطولاتهم الزائفة، و إنجازاتهم الوهمية، و خصائصهم الخرافية ... يكررونها ثم يكررونها ثم يكررونها على طريقة اكذب اكذب اكذب حتى تصدق نفسك!

ما أكثر أولئك الذين تغرهم أعداد الأصدقاء، أو المتابعين، أو المشتركين، أو المعجبين، أو المعلقين الذين يتفاعلون معهم و يثنون عليهم في فضاءات العالم الاجتماعي الافتراضي و الواقعي ... و يصل بهم العُجب إلى أن يروا في هذه الأعداد شهادات نجاح تؤهلهم لتصدر مقاعد الريادة في الدنيا، و احتكار نمارق الجنة المصفوفة في الآخرة!

ما أكثر أولئك الذين يظنون أن الثناء و المديح الذي يتهاطل عليهم من المخدوعين أو المنتفعين المحيطين بهم هو صك غفران مفتوح يقول لهم: ما ضركم ما فعلتم بعد اليوم!

ما أكثر أولئك "الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً"!

اللهم عافنا و اعف عنا.

علمتني الحياة 8: فهم الدين

علمتني الحياة أن إساءة فهم الدين أخطر في الغالب على المتورط فيها و على المجتمع من الوقوع في المعاصي ... مع أن كلاهما خطير.

فكثير من العصاة الذين رأيتهم أو سمعت أخبارهم كانوا يعرفون و يقرون أنهم على معصية، و كانوا كلما نصحهم ناصح أو ذكَّرهم بالحق مُذكِّر أصابتهم مقادير من التأثر و الاتعاظ و لو في الباطن، و انتهى الحال بالكثير منهم إما إلى توبة، أو إلى مغادرة الحياة و قد انحصر أذاهم في حدود أنفسهم و ربما دوائر صغيرة محيطة بهم.

أما من يسيء فهم الدين فهو لا يرى نفسه على خطأ، بل يعتقد في قرارة نفسه أن ما هو عليه هو الصواب بعينه، و أن من يسدون إليه النصائح إنما يريدون أن يجروا قدمه إلى طريق الضلال و الانحراف عن الحق! و أخطر من هذا أنه يعتقد أن توغله و تعمقه في فهمه السيء ممارسة إيمانية و ارتقاء في درجات التدين و الالتزام!

و يستوي في هذا من يسيء فهم الإسلام بالتشدد فيه مع من يسيء فهمه بالتساهل و التفريط فيه و تمييعه. فالمتشدد يبتدع و يدخل في الإسلام ما ليس فيه، و المتساهل يفرغ الإسلام من مضمونه!

أما السؤال الذي علمتني الحياة أن إجابته في غاية الصعوبة فهو: ما هو الفهم الصحيح للإسلام على وجه الدقة؟ و ما هو حد الوسط في هذا الفهم الذي يمكن التفريق فيه بين التشدد و التساهل؟

علمتني الحياة 7: أعقد مهمة في الحياة

علمتني الحياة أن أعقد و أدق و أصعب مهمة في الحياة هي مهمة التعامل مع البشر! 

يستوي عندي في هذا تعاملي مع أدنى قريب أو أنأى بعيد، سواءً في دوائر علاقاتي الاجتماعية، أو المهنية، أو الإنسانية.

فتنوع طبائع الناس، و تعدد خلفياتهم الثقافية، و تفاوت حظوظهم من العلم و الأخلاق و مراتب الإيمان، و اختلاف عاداتهم و أفكارهم و اهتماماتهم و أولوياتهم و حساسياتهم و ما مروا به من تجارب، و تقلب أمزجتهم، و تباين ما يسعدهم أو يحزنهم أو يغضبهم أو يحفزهم أو يثبطهم من صور التعامل .... كل هذه العوامل و غيرها تجعل مهمة التعامل مع البشر من أعقد ما يمكن بالنسبة لي ... هذا إذا ما أردت أن أؤديها بحدها الأدنى الذي أسلم به من المشاكل، أو أنجو من خسارة قريب أو صديق أو زميل عمل ... فكيف إذا أردت أن أتقنها، و أن أجعل من علاقاتي الناجحة سلماً أبلغ به مراتب عالية من التفوق المادي والسعادة النفسية؟

علمتني الحياة أنني أقترب من النجاح في علاقاتي مع الآخرين بقدر ما أمتلك من حسن الخلق، و لين الجانب، و شجاعة الاعتذار، و سلامة الصدر، و إحسان الظن بالآخرين، وإعطائهم حق الخطأ، و التماس الأعذار لهم، و العفو عن زلاتهم، و حفظ ماء وجووههم، و تفهم طبيعتهم الإنسانية، و استيعاب حاجاتهم النفسية، و إدارك حقيقة أنهم ليسوا أنا و لن يكونوا أنا!

علمتني الحياة 6: وصفة العلاقات الناجحة

علمتني الحياة أن أفكاري و معتقداتي و تصوراتي للحياة لم تكن في يومٍ من الأيام، و ليست هي الآن، و لن تكون أبداً في المستقبل محل إجماع البشر مهما بذلت في سبيل ذلك من جهدٍ ووقتٍ و مال!

فما من عقيدةٍ أعتنقها، أو رأيٍ فقهي أتبعه، أو قيمةٍ اجتماعية ألتزم بها، أو توجهٍ فكريٍ أتبناه، أو رأيٍ سياسيٍ أقتنع به إلا و في الناس من يخالفني فيه!

و ما طرحت رأياً في أيٍ من هذه المجالات إلا انقسم من يسمعني إزاء ما أطرح إلى ثلاثة أقسام: مؤيدٌ و مخالفٌ و محايد.

و قد ثبت لي بالتجارب المتكررة أنني إن تعصبت، و ظهرت مني حدة و غلظة و نبرة جافة في مجادلة من يخالفني: ارتاب مني المحايد، و ازداد المخالف مني نفوراً و بعداً ... و أسوأ من هذا أن قلدني في تعصبي و غلظتي مؤيدٌ فزاد عدد المرتابين و عدد النافرين ... و خسر الجميع!

أما إن لنت، و ترفقت، و تجردت للحق، و أنصفت مخالفي، و حفظت له فضله، و قلدت الشافعي الذي ما ناظر أحداً إلا و تمنى أن يظهر الله الحق على لسان من يناظره ... كلما فعلت هذا اقترب مني المخالف، و مال إلى جهتي المحايد، و قلدني المؤيد ... و ربح الجميع!

علمتني الحياة 5: قوة المجموع!

علمتني الحياة أن الفرد الواحد مهما كان ألمعياً و عبقرياً و موسوعياً و صاحب خبرات زاخرة يبقى فرداً محدود الامكانيات، من السهل أن يقع في الارتجال، أو الاستعجال، أو سوء التقدير، أو الانحصار في زاوية واحدة من زوايا التفكير، أو أن يتورط في اتخاذ قرارات مبنية على معلومات غير دقيقة أو ناقصة، أو أن يخضع لتقلبات الأمزجة و الهمم التي لا ينجو منها بشر فيتقلب أداؤه معها بين صعود و هبوط.

العمل المؤسسي الجماعي المتناغم الذي يدار بروح الفريق و بآليات إدارية سليمة هو وحده القادر على معالجة تلك المثالب و جبر تلك النواقص و التقليل من أخطارها ...

و لهذا الكلام قرينة في عالم الكمبيوتر يفهمها أهل التخصص إذ أن فكرة بناء سوبر كمبيوتر بمعالج مركزي واحد فكرة متروكة هجرها العلماء منذ زمن بعيد و لم تعد مستخدمة، و حلت محلها شبكات الحوسبة التي تتكون من كمبيوترات كثيرة مترابطة تعمل معاً و تتعاون في تنفيذ المهام، و تتقاسم تخزين المعلومات و معالجتها.

و هذا تماماً ما يحصل في البشر إذا ترابطوا و اشتبكوا في صورة مؤسسية منظمة راسخة الأركان متناغمة ... بحيث تصبح مجاميع الذكاء و الشجاعة و الخبرة و الإخلاص التي يتحلى بها الأفراد تشكل كتلة واحدة تمتلك سوبر ذكاء، و سوبر شجاعة، و سوبر خبرة، و سوبر إخلاص.

لهذا فإنني أثق بقدرة فريق عمل منظم من عشرة أشخاص متوسطي الذكاء و الخبرة يفكرون معاً و يعملون معاً أكثر بمائة ضعف من مقدار ثقتي بقدرة فرد مهما بلغ ذكاؤه و مهما بلغت خبرته!

علمتني الحياة 4: منهجية اتخاذ القرار

علمتني الحياة أن أتخذ قراراتي ليس فقط بعد دراسة منطلقاتي و التأكد من صفائها و صدقها، و ليس فقط بعد دراسة الخطوة التي انا مقدمٌ عليها و التأكد من صحتها و مشروعيتها ... و إنما كذلك بعد دراسة المآلات التي سيؤول فعلي إليها و النتائج التي ستترتب عليه ... 

ففي كثير من الأحيان كنت أجد نفسي أقدم على خطوات مشروعة، منطلقاً من نوايا صافية، و إذا بي أجد فعلي قد أفضى إلى مفسدة لم ينفع معها لا سلامة نيتي و لا صوابية فعلي ... 

و مثال هذا عندما حركتني ذات مرة نية صافية (منطلق سليم) لقول كلمة حق (فعل صائب) فإذا بها تؤدي إلى فتنة و مفسدة! و ذلك لأنني قلتها بدون مراعاة لمقتضى حال السامع و لا إلى المآل المؤسف الذي سيؤدي إليه قولي حتماً ...

سلامة المنطلق ... مشروعية الفعل ... إيجابية المآل

علمتني الحياة 3: التعامل مع الأخطاء

علمتني الحياة أن أبحث لكل خطأ عن تفسير ... ليس محاولةً لتبريره أو نفيه أو التقليل من خطره و إنما لترشيد ردة فعلي تجاهه و ضبط تقيمي له و حكمي على مرتكبه ...

فالخطأ الصغير ليس كالخطيئة الكبيرة ... 
و الخطأ العفوي ليس كالخطأ المتعمد ... 
و الخطأ بعد اجتهاد ليس كالخطأ الناتج عن إهمال ... 
و الخطأ الناشئ من محض الممارسة الاختيارية الحرة ليس كالخطأ الذي تفرزه ضغوط الواقع ... 
و الخطأ الذي يتراجع صاحبه عنه ليس كالخطأ الذي يصر فاعله عليه ... 
و الخطأ الذي يمكن معالجة آثاره ليس كالخطأ القاتل ... 
و الخطأ في الممارسة و التطبيق ليس كالخطأ في الفكر و التوجه ... 
و الخطأ الذي ينحصر ضرره في النفس ليس كالخطأ الذي يتعدى ضرره إلى الآخرين ...

علمتني الحياة 2: منهجية اتخاذ المواقف

علمتني الحياة أن لا أطلق الأحكام القطعية أو أن أكون مواقفي النهائية تجاه الأحداث إلا عندما تتوفر لدي المعطايات الكافية الحاكمة لذلك الحدث.

ففي كثير من الأحيان كنت أستعجل إصدار الأحكام بناءً على انطباعات شخصية أو نتيجة التأثر بدعاية ما أو تقليداً لمن حولي ثم مع مرور الأيام و تكشف المعطيات و الملابسات و اتضاح الصورة أكتشف خطا حكمي الأول. 

أما الآن فإنني أجتهد في التروي .. تماماً مثل القاضي الذي من الممكن أن تظل القضية مطروحةً أمامه أشهر طويلة و لا يصدر حكمه إلا بعد أن تجتمع لديه أقوال الإدعاء و ردود المتهم و شهادات الشهود و دفوع المحامين.

علمتني الحياة 1: منهجية التعامل مع الآخرين

علمتني الحياة أن أعاشر كل طائفة على أفضل ما فيها، و أن أعامل الناس بمقتضى مجموع ما فيهم من خير و شر ... 

إذ أنني وجدت أن البشر على اختلاف مِلّاتهم و أخلاقهم و أعراقهم و أجناسهم و أفكارهم ليس منهم ملاكٌ و لا شيطان، بل كلهم بشر تتجاذبهم نوازع الخير و نوازع الشر، و فيهم مقادير مختلطة من أخلاقٍ صالحة و أخرى طالحة مع تفاوتٍ في النِسب ... 

فلا يخلو إنسان من خيرٍ يمكن أن أستفيدَ منه، و شرٍ يجوز لي أن أنكره و أن أتبرأ منه إن لم أستطع أن أغيره بطيب النصح، و حسن المعاشرة، و المجادلة بالتي هي أحسن.

و لم أكن بحاجة إلى أن أذهب بعيداً في تأملاتي حتى أصل إلى هذه النتيجة، فلقد وجدتها شاخصةً في نفسي التي بين جنبي .. فها أنا أتذكر تقلباتي بين ذنبٍ و توبة، و بين همةٍ و ضعف، و بين إقدامٍ و إحجام، و بين خطأ و صواب، و بين فكرةٍ مغلوطة تورطت فيها و عدولٍ عنها إلى فكرة أصوب و هكذا ....

فلو كان مستساغاً لي أن أقاطع شخصاً أو أن أقصيه من حياتي لما فيه من نوازع الشر، أو لأنه صدرت منه أخطاء لبدأت بنفسي فأنا أعلم الناس بما فيها من عيوب و أخطاء و كوارث.

و لكن كما علمتني الحياة أن أتعايش مع نفسي رغم أنها مفضوحة أمامي فقد علمتني كذلك أن أتعايش مع غيري: أوالي كل خير و أبرأ من كل شر ... و لا أبالي من أي إناءٍ خرج هذا أو ذاك.