الأحد، 14 أكتوبر 2012

الجدية الفردية لا تكفي!



تحلي أفراد تجمع بشري ما  بالجدية الفردية أمر ضروري و لكنه غير كافٍ لنهوض و تقدم ذلك التجمع، إذ لابد أن تقترن الجدية الفردية بنوع آخر من الجدية و هو "الجدية الجماعية".

و إذا اعتبرنا أن الجدية الفردية هي المدخل لنجاح الأشخاص منفردين كلٌ على حدة، فإن الجدية الجماعية هي أساس نجاح الفكرة التي تَجمَّع هؤلاء الأفراد من أجلها.  

فنجاح الأفراد منفصلين لا يعني بالضرورة أن الفكرة قد نجحت، و ذلك لأن نجاح الفرد يقاس بالانجازات و المكاسب الشخصية، أما نجاح الفكرة فيتجاوز ذلك و يقاس بمقدار القرب أو البعد من الأهداف الكلية المنبثقة من الفكرة ذاتها و الهمموم المشتركة للأفراد.

فما الفرق إذن بين الجدية الفردية و الجدية الجماعية؟ و هل يمكن أن يكون هناك تجمع من أفراد جادين و لكنهم لا يمتلكون "جدية جماعية" فيكون الفشل حليفهم؟  و لماذا الجدية الفردية للأفراد لا تكفي؟

الجدية الفردية تعني تحلي الفرد بحالة من التحفز، و الحماسة الذاتية، و الإيمان العميق بالفكرة و الإخلاص لها، و البذل الدائم للوقت و الجهد في سبيلها. توفر هذه الصفات لدى أفراد تجمع ما  كفيل بأن يجعل هذا التجمع يعمل و يبذل جهد ووقت و يستنفذ موارد، و لكنه لا يكفي لضمان أن هذا العمل يسير في الاتجاه الصحيح و بالأسلوب الأنجع، أو أنه ياتي بأكبر قدر يمكن تحصيله من الثمار و الانجازات. 

و لذلك يلزم لأي تجمع بشري صفات إضافية تسد هذه الثغرات و توفر الضمانات الإضافية اللازمة، و تلك الصفات هي ما تلخصه عبارة "الجدية الجماعية"، و من هذه الصفات:

*  القدرة على التخطيط الجماعي بشكل يضمن أن الخطة يشارك في صياغتها الجميع ثم يتبناها الجميع.

*  القدرة على التنظيم و ما يتطلبه هذا من تحديد المسؤوليات و توزيع المهام و هيكلة و مأسسة العمل.

*  ممارسة الشورى و الوفاء الكامل بمتطلباتها و الالتزام التام بنتائجها و مخرجاتها. و هذا يتطلب السماح لخطة واحدة بالعمل عند تعدد الآراء، و عدم السماح أبداً لخطط متعددة متضاربة أو غير منسجمة أن تعمل معاً، مع ضرورة إنكار الذات و مشاركة جميع الأفراد في تنفيذ الخطة التي أفرزتها الشورى حتى و إن كانت في بعض أو كل تفصيلاتها مخالفة لرأي بعضهم.

*  توفر آليات محددة يتوافق عليها المجموع للرقابة و المتابعة و التقييم، ثم تفعيل هذه الآليات و استعمالها على الدوام بمسؤولية و موضوعية و بلا إفراط أو تفريط.

*  توفر نظام داخلي أو قانون واضح  محدد  شامل يضبط العلاقات و يحدد الحقوق و الواجبات و ينظم العمليات المختلفة.  شريطة أن ينضوي الجميع تحت هذا النظام في كل الأوقات و تحت كل الظروف بلا استثناءات.

*  توفر قدر كبير من الواقعية و فهم طبيعة الحياة ليس فقط عند التعاطي مع المحيط الخارجي، و لكن كذلك عند التفاعل مع المحيط الداخلي و مع الذات، و من أمثلة ذلك إعطاء العاملين في مواقع المسؤولية حق الخطأ (في مواضع الاجتهاد)، و إدراك أن الصواب في كثير من الأحيان لا يمكن عملياً الوصول إليه إلا من خلال دورة التجربة و الخطأ.


و ما ينطبق على البشر ينطبق على التكتلات إذا ما جمعها وعاء أكبر،  فعلى سبيل المثال: كما أن كلاً من الجدية الفردية و الجدية الجماعية مطلوب تحققهما معاً في حزب سياسي لكي ينجح في تحقيق أهدافه السياسية و تطبيق أطروحاته الفكرية و برامجه الإصلاحية، فإن الجدية الفردية لآحاد تلك الاحزاب، و الجدية الجماعية لمجموع هذه الأحزاب كلاهما مطلوب و أساسي لنجاح الوطن.

على كل عنصر في مجموعة - سواءً كان هذا العنصر فرداً في مؤسسة أو قسماً في شركة أو حزباً سياسياً في وطن -  أن يدرك أنه مطالب ليس فقط بأن يكون جاداً في ذاته فحسب مهما بلغت جديته تلك من العمق و الصرامة، بل عليه أن يكون هو و أشباهه من العناصر متحلون جميعاً بجدية جماعية من ذلك النوع الذي شرحت بعض صفاته في الأعلى. 

بغير هذه الجدية ثنائية الأركان، تضيع البوصلة، و تغرق السفينة، و يتوه الجميع في دهاليز اللهو.