السبت، 7 فبراير 2015

علمتني الحياة 18: التأييد ثمرة الاقتناع

علمتني الحياة أن لا أقتنع إلا بما هو مقنع ... و أن لا أتظاهر بالاقتناع إلا إذا كنت مقتنعاً حقاًّ ... و أن أبني قناعتي على ما يجتمع عندي من معطيات واضحة لا على ما أفترض أن الآخرين يمتلكونه من معطيات!!

تكرر معي أكثر من مرة أن أتحمس لمواقف، أو أن أؤيد قرارات يتخذها الآخرون، بل ربما أتصدر متطوعاً للدفاع عنها و سوق المبررات لها، دون أن تتشكل عندي القناعة الكاملة بصوابية الموقف أو القرار ... و كنت حينها أتنازل عن حق عقلي في الاقتناع و أنا أقول: "بالتأكيد لديهم معطيات لا أعرفها" .... ثم تكشف لي الأيام في كثير من تلك الحالات أن المواقف و القرارات كانت ارتجالية، أو أن المعطيات التي استند إليها أصحابي كانت خاطئة، أو أنهم أساؤوا قراءتها و تقديرها ...

و قد لدغت من هذا الجحر مرات عديدة قبل أن تصلني الموعظة ...
و ليس هذا من قبيل التكبر أو فقدان الثقة بالآخرين ... بل هو وضع للأمور في نصابها ... و نصابها هو أن يكون التأييد من ثمار الاقتناع و ليس من ثمار المجاملة أو الثقة ...

أتفهم أن الظروف قد تفرض على الآخرين أن لا يخبروني بما لديهم من معطيات و حسابات ... و لا أطالب أحداً بإطلاعي على ما لا ينبغي لي الإطلاع عليه ... و لكني لم أعد أؤيد إلا بقدر ما أقتنع ... و لم يعد يقنعني إلا ما هو مقنع!

الأحد، 1 فبراير 2015

علمتني الحياة 17: الموضوعية

علمتني الحياة أن لا أتعامل مع الأشخاص و الهيئات الاعتبارية في دوائر الحياة العامة بمنطق الحب و الكره أو التأييد المطلق و المعارضة المطلقة ...

سواءً كانوا زملاء عمل، أو مدراء، أو نشطاء في العمل العام، أو شخصيات ذات مكانة مجتمعية، أو قادة سياسيين، أو مفكرين، أو أصحاب رأي، أو جمعيات، أو أحزاب، أو منظمات، أو حكومات، أو دول ...

لم تعد علاقات الحب و الكره تربطني بالكيانات الاعتبارية أياً كانت ... و إنما مشاعري كلها موضوعية و تتجه نحو الموضوع و الموضوع فقط ... 

قد تجدني في ساعة واحدة أمدح فعل ثم أذم آخر مع أن كلاهما صدرا عن نفس الجهة ...

و لا يعني هذا أنني أعيش علاقات جافة خالية من الأبعاد الإنسانية ... و إنما يعني أنني أحاول أن أعرف الحدود الفاصلة و أن ألزمها ما استطعت ...

و لست هنا بالمبتدع ... فأفضل الخلق -صلى الله عليه و سلم- أقر بصدق الشيطان مرةً رغم أنه كذوبُ و "عدوٌ مبين" ... و مدح حلف الفضول مع أن المتحالفين فيه مشركين ... و تعهد بقطع يد ابنته إن سرقت، و أمر بجلد حسان، و إقامة الحد على ماعز، و عاتب أبا بكر، و صارح أبا ذر بضعفه ... مع أن جميعهم من أصحابه ...

بل هو منهجٌ قرآنيٌ أصيل ... و يكفي أن نعلم أن النبي -صلى الله عليه و سلم- عوتب في القرآن في 13 موضعاً نتعبد الله بتلاوتها: "ما كان لنبي" و أخواتها ...

و لا يعني هذا أنني متجرد من معاني الانتماء لمكان عملي أو وطني أو المؤسسة التي أتطوع بها ... و لكن معنى الانتماء عندي يشتمل اشتراط مراقبة الفعل ... و لا أقصد هنا مراقبة إشرافية أو متعالية .. و إنما مراقبة مشفقة تلتمس أسباب الصواب و العدل و ترجو اجتناب الزلل و الظلم تبدأ من حدود نفسي و تمتد إلى كل دائرة تدور حولي .. (ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ...)

الخلاصة هي أنني لا أحب "أحد" ... كما أنني لا أكره "أحد" ... و لا أؤيد "أحد" ... كما أنني لا أعارض "أحد" .... المعادلة بيني و بين الناس فيها متغير واحد فقط يحدد الإجابة: "الموضوع" ...