الأحد، 17 يوليو 2011

ارفع للخير راية



كلما تأملت الواقع و ما فيه من تبجح الباطل وتغول أهل الشر،  أتدكر قول شاعر المغرب محمد الحلوي:
تبلـد في الناس حــس الكفـــاح  **** و مـالوا لكسبٍ و عيش رتيب
يكــاد يـــزعـــزع من همتــــي **** سدور الأميـن و عزم المـريب
و لكن خـلـقــت بــــأرض بهــا **** نفـــوس العبيـــد برقٍ تطــيــب

لاحظ كيف لخص أسباب المشكلة بـ: "سدور الأمين و عزم المريب"، بل جعل سلبية الصالح سبباً مقدماً على همة المفسد، و قد صدق، فلولا تقاعس الصالحين و إحجامهم عن المبادرة لما خلت الساحة أمام المريبين و المبلبلين و أصحاب الأفكار المعوجة. 


و يذكرني الواقع كذلك بكلماتٍ قالها عبد الوهاب عزام بعد أن طاف معظم بلاد العرب و المسلمين و درس واقعها عن قرب، قال: "لا يخدعنكم الفساد الظاهر والشر المستشري، ولا يهولنكم ذكر فلان وفلان من المفسدين، ففي الأمة أخيار أكثر ممن تعدون من الأشرار، ولكنها راية رفعت للشر فأوى إليها أشرارها، وهرع نحوها أنصارها، ونفر منها الأخيار فلم ينحازوا إليها، ولم نسمع أصواتهم حولها، ولو رفعت للخير راية لانحاز إليها الأخيار وحفوا بها وسكنت أمة الأشرار وقل جمعهم وخفت ذكرهم”.

إن أزمة الأمة اليوم ليست في تراجع خيريتها، أو قلة الصالحين فيها، و إنما هي في سلبية كثير من الصالحين، و ضعف روح المبادرة في نفوسهم، و إيثارهم للتواري و التداري معتقدين - ربما - أن هذا من الورع أو من شيم أهل الزهد. 
إن من واجب كل صالح اليوم أن يخرج من صومعته و يرفع رايةً للخير في حيه أو مكان عمله أو جامعته أو مدرسته، و يجمع الناس من حولها على مشروع خيري أو فكرة تنموية أو مبادرة تطوعية أو مشروع اقتصادي أو حملة توعوية.  لابد من مزاحمة أهل الشر في ميادين العمل و الإعلام و قيادة الجماهير، و قطع الطريق عليهم، و سحب البساط من تحتهم.


كتبت هده الكلمات لأني لاحظت أنه كلما صدرت فكرة عوجاء عرجاء، فإن قلة من الناس فقط يخدعهم بريقها الزائف الذي يزينه لهم أصحابها، في حين أن  فطر الناس الصالحين - و ما أكثرهم - ترفضها و تنفر منها. و  برغم ذلك فإن مزيني الفكرة و المخدوعين فيها أجدهم يعلون صوتهم و يدفعون بأنفسهم ليتصدروا المشهد و يزيفوا الصورة و يوهموا الناظر بأنهم من يقود و من يمثل، و أن أجندتهم هي المقياس و المرجعية. هذا يجب أن يتوقف، فليقل الصالحون كلمتهم و لتعلوا رايات الخير.

هناك تعليقان (2):

  1. رائع .. واسمحلي اكمل نص عبد الوهاب عزام من نفس الفقرة التي اقتبستها :

    "إن في الأمم خيرا وشرًا، وفسادًا وصلاحًا، ومفسدين، فإن رفعت راية للخير انضوى إليها الأخيار في كل طائفة، وغلب بها الخير في الأنفس التي يغلب شرها خيرها، ونبت خير في نفوس لا خير فيها، فإن الإنسان لا يخلو –وإن عظم شره واستشرى داؤه- من نزعة للحق كامنة، وعاطفة للخير مستسرة"

    ردحذف
  2. شكراً جزيلاً على المرور الطيب و الإضافة القيمة يا محمد

    ردحذف