الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

ثلاثة أشهر في الفيسبوك - الحلقة الثانية


رابط المقدمة و الحلقة الأولى


الحلقة الثانية:  اليوم الأول!

في مساء يوم الجمعة 20 مايو وصلت برفقة العائلة إلى مطار مدينة سان هوزيه ثالث أكبر مدن ولاية كاليفورنيا، و عاصمة وادي السيليكون الشهير الذي يقع جنوب خليج سان فرانسيسكو. تعد هذه المنطقة من أكثر مناطق أمريكا شهرةً و ثراًء و ازدحاماً و اكتظاظاً سكانياً و غلاء!  فهي تستضيف مقرات كبرى شركات التكنولوجيا العالمية كإنتل و ياهو و جوجل و سيسكو و إتش بي و أوراكل و أبل و أدوبي و غيرها الكثير من شركات التكنولوجيا المعروفة عالمياً.  أما مقر الفيسبوك فهو في قلب وادي السيليكون في مدينة بالو ألتو حيث جامعة ستانفورد العريقة.

أول أيام العمل كان يوم الاثنين 23 مايو، و كان مخصصاً بطوله للترحيب بالطلبة المتدربين و الموظفين الجدد، و لتعريفهم بالشركة و فلسلفتها و قيمها و أخلاقيات و قوانين العمل فيها، و لتحفيزهم على العمل و الانجاز و الإبداع و التأثير!

انطلقت في الساعة السابعة صباحاً من مكان إقامتي المؤقت في ضيافة أحد الأخوة الأعزاء في مدينة سنيفيل نحو بالو ألتو. كانت الشوارع مزدحمة جداً كالعادة، فالحركة هنا تكون نشطة جدا منذ وقت مبكر جداً من النهار و لا تهدأ إلا مع غروب الشمس!  و على الرغم من الازدحام إلا أنني كنت مستمتعاً بمشاهدة جمال الطبيعة حيث تلتقي الجبال الشامخة التي تتخلل قممها غيوم بيضاء ناصعة مع السهول الخضراء الخلابة، مع مياه الخليج و الأودية المائية الصغيرة.



و لم أشعر بضيق و لا بضجر عندما علقت في اختناق مروري بجوار شارع ناسا، إذ كنت أتسلى بمشاهدة مقر أبحاث وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، و على مقربة منها على الطرف الآخر من الشارع أحد مقرات شركة مايكروسوفت العملاقة.
أحد مباني ناسا!

مقر مايكروسوفت - وادي السيليكون

وصلت إلى مقر الفيسبوك، و اتجهت إلى المبنى رقم 4 بحسب التعليمات. دخلت القاعة المخصصة لبرنامج الاستقبال و التدريب، فوجدت ما يقارب 400 طالب مثلي قدموا من ولايات أمريكية مختلفة و من دول أخرى ككندا و الهند و ماليزيا و مصر و لبنان و بعض دول الاتحاد الأوروبي، كلهم استضافتهم الشركة للتدريب و العمل في مكاتبها خلال الصيف!

كان المكان مرتباً جدا، و لا يحتاج الإنسان إلى كثير من الوقت ولا إلى دقة ملاحظة ليستنتج  أن الفريق القائم على إعداد برنامج الاستقبال قد قام بعمله على أتم ما يمكن.

فبمجرد أن دخلت القاعة أسرع أحدهم نحوي ليستقبلني، و يرشدني إلى مقعد و طاولة كان مكتوباً عليها اسمي، و على الطاولة جهاز ماك بوك جديد بمواصفات فائقة، و جهاز أي فون جديد مدفوع التكاليف بالكامل، و حقيبة فاخرة، و دفتر، و قلم، و قميص عليه شعار الشركة!

كان المكان مزوداً بشتى صنوف المشروبات الساخنة و الباردة، و شتى أشكال الحلوى و الشوكلاتة المنوعة و ألعاب مختلفة مسلية.

بدأ البرنامج بفقرة قصيرة تم خلالها تعريفنا بكيفية إنشاء حسابات داخلية، و كيفية الدخول إلى الشبكة، و غيرها من الأمور الفنية الأساسية.

الفقرات التالية كانت غاية في الامتاع، و كانت كلها تهدف إلى تفجير قنبلة ذرية تحفيزية (نعم قنبلة ذرية بكل ما في الكلمة من معنى) في نفس كل واحد منا، لتدفعه بقوة نحو العمل و الانجاز و إحداث أثر. 

تنوعت الفقرات بين مشاهدة مقاطع فيديو توثيقية، و كلمات لمتحدثين من موظفي و مديري الشركة، و نقاشات مفتوحة.

كانت الرسالة الأساسية التي حاولت كل الفقرات التركيز عليها هي "الأثر - Impact" الكبير للشركة في حياة الناس اليومية في كافة أرجاء العالم، و كيف أن كل واحد منا سيحدث تغييرات سوف يشاهدها مئات الملايين من البشر من مختلف الأجناس و الأعراق.

و كان مثال الثورة المصرية حاضراً في كل فقرة تقريباً، فلا أذكر أن أحداً من المتحدثين بمن فيهم عريف البرنامج قد غادر المنصة دون أن يذكر الثورة المصرية كمثال حي و بارز على أثر الفيسبوك في إحداث التغيير.

و كانت أكثر الكلمات حماسة و تحفيز هي كلمة Chris Cox  مدير المنتجات في الشركة، و هو شاب في مقتبل العمر من مواليد 1982! و هو من الرعيل الأول في الشركة و ممن حضروا أيام التأسيس. تحدث كريس عن تاريخ الشركة القصير و عن قفزاتها السريعة و صعودها المفاجئ الذي فاجأهم هم قبل أي أحدٍ آخر، و عرج قليلاً على فيلم (الشبكة الاجتماعية) فقال أنه مليء بالمغالطات و الأخطاء دون أن يذكر تفاصيل. 

Chris Cox

ثم تحدث بإسهاب عن الأثر العالمي للفيسبوك، و نموه و انتشاره السريع، و تغلغله في العالم... و كغيره من المتحدثين توقف عند الثورة المصرية، و كيف كان أثر الفيسبوك واضحاً فيها، و ذكر أن العديد من الاتصالات من مصادر متعددة كانت تصلهم تسألهم: هل أنتم تحركون ما يجري في مصر؟ هل أنتم من دبر الثورة؟ فكانوا يجيبون بالنفي في كل مرة. ثم بين كم كانت دهشتهم عظيمة و هم يشاهدون بأعينهم كيف أن موقع إلكتروني أنشأوه منذ سنوات قليلة فقط و دون أن يخطر ببالهم أن يكون له هذا الانتشار الكبير و السريع، اندهشوا كيف أنه أصبح اليوم أداة رئيسية استخدمها الثوار و المقهورون لتغيير نظام حكم و إعادة رسم مستقبل بلد بل منطقة بأكملها! سأعود للحديث عن الثورات العربية لاحقاً في سياق أكثر إثارة و غرابة! و لكن دعونا نتابع تسلسل الأحداث.

كل هذا جرى في اليوم الأول داخل قاعة الاستقبال في المبنى رقم 4. تبعه تدريب تقني مكثف في نفس المكان و لمدة يومين آخريين على أدوات الشركة الداخلية و برامجها. 

في اليوم الرابع انتقلنا إلى المبنى الرئيسي الضخم المشهور باسم 1601 و الذي يتواجد فيه أغلب المهندسين.

في الحلقة القادمة سوف أحدثكم عن عجائب 1601 و بيئة العمل الغريبة التي تبنتها الشركة على خلاف كل ما أعرفه من الشركات الأخرى... الجميع يستغرب من هذه البيئة حتى مصمميها:
Is this a Technology Company?

تنويه و تنصل: أنا هنا أروي تجربتي في الفيسبوك على شكل حكايات مضاف إليها حبكة درامية و مقطعة على حلقات بهدف التشويق و الامتاع. و لا يحق لأحد أن يقوم  بتحويل أي شيء أكتبه هنا إلى أخبار صحفية، أو كتابة أي خبر صحفي بناءً على  هذه الحلقات،  و لا يحق لأحد أن يعيد نشر الحلقات في أي وسيلة إعلامية دون إذن صريح وواضح و مباشر مني و قبل إطلاعي على محتوى ما سيتم نشره.

هناك 11 تعليقًا:

  1. تسلسل رائع ومشوق جداً يا بشمهندس.. بإنتظار الحلقة الثالثة!

    تحياتي

    ردحذف
  2. م. أمجد يبدوا أنهم علموك أيضا كيف تشوق قراءك لمقالتك ولمدونتك لا تطيل إنتظارنا فنحن على أحر من الجمر ..

    ردحذف
  3. شكراً يا أحمد و يا سعيد على المرور الكريم ... البقية ستأتي قريباً إن شاء الله.

    ردحذف
  4. ما شاء الله عنك يا امجد، فعلا شوقتنا لقراءة باقي الحلقات وكأنني أقرأ واحدة من الروايات العالمية المشوقة...

    ردحذف
  5. السلام عليكم
    بداية ألف مبارك يا بشمهندس - ولو انها متأخرة-

    الصراحة الحديث جدا مشوق، يعني لو تنزل كبشة كبشة بتخفف عنا لوعة الانتظار والتشويق هههههه

    اللي لفت انتباهي، رغم ان الشركة مشهورة وناجحة إلى حد بعيد وبعيد جدا كمان، يعني اي شخص بيتمنى وظيفة هناك حتى لو بده يجيب مكتبه معاه من البيت، إلا أن الاهتمام بالجانب التسويقي للموظفين والزوار، والاهتمام البالغ براحة وتحفيز الموظفين اهتمام كبير وواضح

    ياريت الشركات والمؤسسات اللي عنا تاخد بالها من هيك أمور

    تحياتي، وربنا يوفقك يا رب:)

    ردحذف
  6. رائع يا بشمهندس
    معك بكل حيوية وتفاعل .. وكلنا تشوق لانتظار المزيد

    ردحذف
  7. رائع يا أمجد و "مخمخ" انا على الاشي :)
    في انتظار بقية السلسلة ...

    ردحذف
  8. عرض رائع..
    متابعة إن شاء الله

    ردحذف
  9. سرد رائع جداً ومشوق
    نتابع معك وفي انتظار المزيييييد .. وأتمنى لك التوفيق الدائم والمستمر ..

    ردحذف
  10. جميل اوى و اسلوبك مشوق جدا ... و كلامك بيأكد جوايا أهمية العلم و التعلم

    ردحذف
  11. كيف اقدم للتدريب الصيفي؟؟

    ردحذف