هذه الخاطرة الثانية من مجموعة خواطر نثرية أدبية كتبتها منذ 6 أعوام تحكي قصة رمزية لأحد صناع الحياة جلس دهراً طويلاً في بيت السلبية و النكوص، و بعد أن التذع قلبه لحال وطنه و أمته قرر أن ينهض و ينتفض و يخرج من سلبيته إلى طريق الإيجابية و صناعة الحياة و النهضة.
الخاطرة الأولى كانت بعنوان المفتاح و رسالتها الأساسية أن أول خطوة في طريق العمل لأجل نهضة الأوطان هي عقد نية خالصة لا تخالطها مصالح شخصية أو مطامع دنيوية أو حظوظ نفس.
الحلقة الثانية: غـذِ روحـك ... و اكـتـمـل
لم يزل صانع الحياة مع نفسه في جهاد و مكابدة، و مع شيطانه في مراغمة و مغايظة و مكايدة، و مع أهواء النفس و مزالق الشهوة في مناوءة و مباعدة ...
و لم يزل يغربل المقاصد ، و يتحرى خفايا النوايا، و يتبرأ من الأغيار ...
و لم يزل له من طول الوقوف على باب الله ظهير، و من طول الإخبات و التضرع نصير ... حتى وقعت يده على المفتاح، فأخذه بقوة و طار إلى الباب، هاجراً بيت السلبية، قاصداً طريق الإيجابية، عقله مشغولٌ بهموم أمته، و قلبه ينبض بالشوق إلى النهضة.
وقف على العتبة ...
أدار الترس ...
فتح الباب ...
أبصر الطريق: أشواكٌ كالإبر ... صخورٌ كالجبال ... روابي و قيعان … أمواجٌ و لُجَّةُ بحر... طولٌ و بعد … غربةٌ ووحشة ...
ثم رمق في الافق من صناع الحياة من سبق ... رأى المقدام الثابت ... و رأى المتعثر المتباطئ ... و رأى المغبون المتساقط. سنة الله في تفاوت مراتب و همم السائرين من المصلحين و الصانعين رآها عياناً، و أدركها قلباً و عقلاً. سنة الله رُويت له أحاديثَ تناقلتها أجيال الصانعين بالسند الصحيح عن سيد المرسلين و إمام الصانعين، و دونها صانع بخارى في جامعه:
::: (تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة ) :::
مازال الصانع الراحلة بالباب يهم بالسفر... و إذ بصوت يصيح به: "و تزودوا"، فالسفر طويل، و المشاق كثر، و العوائق تترى.
و هل تقطع الأسفار بغير زاد ؟!
فكيف إذا كان سفر الصانع إلى الله ؟ و مقصده نهضة دونها المكاره؟!
لابد من زادٍ إذن!
فإن أسرع صاحبنا و اندفع في الطريق، و لم يتزود بزاد، و لم يغذ روحه بغذاء ... فسرعان ما سينقطع، و ليس له حينئذ إلا صف المغابين المتساقطين، و كان مصلحاً دعياً – أي يدعي الإصلاح- يصلح حياة الآخرين و نفسه إلى الإصلاح أحوج ...
هل يُطلب الماء ممن يشتكي عطشاً؟ **** هل يُطلب الثوب ممن جسمه عار؟
لا .. لا .. لا
يا بانيا بالماء حائط بيتــه **** فوق العباب أرى البناء مهيلا
أرأيـت قـبـــلك عاريــــــا **** يــبــغـى نـزال الدارعيـنـــــا!
قبل أن تخوض غمار صناعة الحياة، و قبل أن تسلك طرق النهضة الوعرة: اصنع نفسك، و غذ روحك، و اصقل قلبك ... أكمل النقص، أصلح الخلل، ارأب الصدوع، سُد الثغور ... ثم سر إلى الله، و اقصد سبيل النهضة، و ررد معي و مع وليد الأعظمي :
كن رابط الجأش و ارفع راية الأمل **** و سر إلى الله في جدٍ بلا هزل
و إن شعرت بنقصٍ فيك تعرفـــــــه **** فغـذ روحك بالقرآن و اكتمــل
وغذ قلبك بالإيمان و اكتمل
وغذ نفسك بالأخلاق و اكتمل
وغذ جسمك بالرياضة و اكتمل
وغـذ عقلك بالعلوم و اكتمل
وغذ ذاتك بالتدريب و اكتمل
تغذَ و اكتمل ... ثم انطلق!
و إلى لقاء قريب مع الحلقة الثالثة بعنوان: هل يقف؟
رائع ما أحوجنا لهذه الدرر
ردحذفجزاك الله خيراً على المرور العطر و الكلمات التشجيعية اللطيفة
حذفجميل ماجاد به قلمك ..تحياتي
ردحذف