الأربعاء، 19 مارس 2014

خواطر على طريق النهضة: 7 - دربٌ طويل

هذه الخاطرة السابعة من مجموعة خواطر نثرية أدبية كتبتها منذ 6 أعوام تحكي قصة رمزية لأحد صناع الحياة جلس دهراً طويلاً في بيت السلبية و النكوص، و بعد أن التذع قلبه لحال وطنه و أمته قرر أن ينهض و أن ينتفض و أن يخرج من سلبيته إلى طريق الإيجابية و صناعة الحياة و النهضة. 

الخاطرة الأولى كانت بعنوان "المفتاح و رسالتها الأساسية أن أول خطوة في طريق العمل من أجل نهضة الأوطان هي عقد نية خالصة لا تخالطها مصالح شخصية أو مطامع دنيوية أو حظوظ نفس.

الخاطرة الثانية كانت بعنوان "غذ روحك .. و اكتمل" و رسالتها أن مشوار النهضة يحتاج إلى زاد و تكوين إيماني و علمي و مهاري و جسماني متكامل.

الخاطرة الثالثة كانت بعنوان "هل يقف؟"  و رسالتها أن مساعي النهضة تحتاج إلى إيجابية عالية و استعداد للبذل و العطاء و الفناء،  و إقدام إلى الأمام ... بلا توقف! 

الخاطرة الرابعة كانت بعنوان "ارفع راية"  و رسالتها أن من واجب صانع الحياة أن يكون عنصر تحفيز و تحريك لمن حوله .. فيكون هو المبادر و حامل الراية ثم يجمع من حوله نفر كثير متنوعي المهارات و القابليات ليكونوا هم نواة النهضة و مشروعها الأول.

الخاطرة الخامسة كانت بعنوان "لا تتأخر!"  و هي دعوة مفتوحة بصوت عالٍ لكل صاحب عطاء أياً كان تخصصه أن يلتحق بقوافل العاملين و أن يضع يده في أيديهم حتى تحصل البركة و يكون التوفيق حليف الجميع.

الخاطرة السادسة كانت بعنوان "همة الملوك" و تصف حالة الهمة العالية التي ينبغي أن يتصف بها صانع الحياة على الدوام لتكون وقود التحريك اللازم للتوغل بعيداً في درب النهضة الطويل ...


الحلقة السابعة: درب طويل





بقدر الهم : تكون الهمة ...

و لا يحوز همة الملوك إلا من قضت الهموم مضجعه ، و أفزعت الخطوب مخدعه، و أغرقت جراح الأمة مدامعه… و استقر في جوف قلبه شعور رصين قويٌ مكين أنه لابد من بذل الروح و إنفاق العمر لتحيا الأمة و تشرق أنوار النهضة…

و لئن كان امرؤ القيس في زمن الجاهلية قد مدح صاحبه في شعره فوصفه بـ : ( قليل همومٍ ... ما يبيت بأوجال)، يعدُّ الفراغ و راحة البال و قلة الهموم  خصلةُ تُمدح و تُطرى ..  فإن صانع الحياة على العكس تماماً:  قد نذر نفسه لهم النهضة، و جعلها موقوفةً خالصةً لهموم الأمة، و قدمها قرباناً تقترب به الأمة من لحظة العز المنشود و السؤدد المفقود ، تسمعه يردد : 

إن السعادة أن تعيــــش ::: لفكـــرة الحق التليد
لعقيدةٍ كبرى تحــــــــل ::: قضيـة الكون العتيد
تعطي حياتك قيمــــــــةً ::: رب الحيـاة بها يشيد

(فإذا جالت هموم الناس في أفلاك شهواتهم ، حلق نجم همه في فلك فكرته و نهضة أمته:
سارت مشرقةً ، و سرت مغرباً ::: شتان بين مُشّرقٍ و مُغرِّب

و تعجب لحاله و قد أسهر ليله و أضنى نهاره ..في ليله قائم، و في نهاره هاجم ... قيامٌ لا قعود عنه ... و ركوبٌ لا نزول معه .. شعاره العُمَرِي الأصيل : ( الراحة للرجال غفلة ) ... )* 

إذا تكلم عن أمته و خاض في أدوائها و همومها كان له في سفيان الثوري سلف حين سأله ولده : يا أبت لماذا إذا تكلمت أبكيت الناس؟ فأجابه : ( يا بني ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة ) ... 

حياته صورة حية لما سطره صانع الهند (الندوي) في (تذكرة الدعاة) حين قال :

(( إنه من الواجب أن تكون في قلوبكم نارا متـقدة تكون في ضرامها على الأقـل مثـل النار التي تتـقد في قلب أحدكم عندما يجد ابناً له مريضاً ، ولا تدعه حتى تجره إلى الطبيب ، أو عندما لا يجد في بيته شيئاً يسد به رمق حياة أولاده ، ولاتـزال تـقـلـقه و تضطره إلى بذل الجهد والوسع)) 

((وعليكم بالسعي أن لا تـنـفـقوا لمصالحكم وشؤونكم الشخصية إلا أقـل ما يمكن من أوقاتكم و جهودكم ، فتكون معظمها منصرفة لما اتخذتم لأنفسكم من الغاية في الحياة وهذه العاطفة مالم تكن راسخةً في أذهانكم ، ملتحمةً مع أرواحكم و دمائكم ، آخذةً عليكم ألبابكم وأفكاركم ، فإنكم لا تـقـدرون أن تحركوا ساكناً بمجرد أقوالكم ))

يا نهضة ... هذا هو صانع الحياة:


له أحاديث من ذكراك تشغله ::: عن الطعام و تلهيه عن الزاد


صانع الحياة قد وحد همه ... رايته المرفوعة قد كتب عليها قول سيد الصانعين صلى الله عليه و سلم: (( من جعل الهموم هماً واحداً ، هم آخرته، كفاه الله هم دنياه )) .. 

و لصانع الحياة عقل لا يريحه فهو دائم الانشغال في أمور الأمة و دائم التفكير في قضايا النهضة ... تفكيرٌ أذهله عن الكل ... 

سلفه في ذلك الصانع -إمام أهل السنة- أحمد ابن حنبل يوم أن دخل عليه أبو سعيد الواسطي السجن قبل أن يضرب في فتنة المعتزلة و فرية خلق القرآن .. فقال له في بعض كلامه : يا أبا عبد الله : عليك عيال، و لك صبيان ، و أنت معذور . كأنه يبرر له و  يسهل عليه الاستسلام و التراخي أمام الخليفة،  فقال له أحمد ابن حنبل: (( إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد فقد استرحت !)) 

و مع هذا كله فإن في حياته سعادة لا تُجارى منبعها الروح،  و سرورٌ لا يوصف قد سكن في سويداء القلب ... الناس ترى الغبطة في الدعة و الراحة و السكون و هو ينشدها في إتعاب الجسد و إتلاف الجوارح و الأطراف ... يقول :

قالوا السعادة في السكون ::: و في الخمول و في الخمود
قلت الحياة هي التحـرك :::  لا السكون و لا الهمــــــــود
و هي التلذذ بالمتاعـــب ::: لا التـــــلذذ بالرقـــــــــــــود

هذه هي حياة صانع الحياة التائق للنهضة ...  نقلنا لكم طرفاً من أخبارها ... و ما خفي كان أعجب !!   قد تبدو طريقه صعبة و شاقة و تحفها الأشواك و ألوان المكاره ... و لكن:

هذا السبيلُ ولا سبيلَ سِواهُ إن تبغِ الوصول
هذا السبيلُ وإِن بدا من صاحبِ النظرِ الكليل
درباً طويلاً شائكاً أو شِبهَ دربٍ مستحيــــــل
لا دربَ يوصلُ غيرَه مع أنه دربٌ طويــــــــلْ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق